محمد منفلوطي_هبة بريس
هي ظاهرة احتلال المِلك العمومي التي طالت مدن عدة وباتت معها الشوارع والأزقة والساحات محتلة ومستباحة، وبين هذا وذاك، أطلقت السلطات المحلية حملات للتصدي للظاهرة، وبرزت من بين ثنايا المشهد وجوه شبابية لقياد وباشوات وثقتهم كاميرات هواتف وهم يقومون بعملهم، يتحاورون، يحجزون، يهدمون، يحررون الساحات من قبضة المحتلين…
وهنا، لابد أن نذكر شخصية القايد بين الأمس واليوم، ذلك أن القايد اليوم، هو صاحب تلك الشخصية الشبابية بلباسها العصري والتكوين الاكاديمي والقانوني الذي يفرض على صاحبها التعامل والتجاوب مع مطالب المواطنين وفق مقاربة حقوقية، مقتنعا بأن عمله إداريا محضا وليس سياسيا، عكس تلك الصورة التي تجسد الرجل القوي الذي يبسط حكمه على الجميع وسلطته فوق الجميع، مهنة أضحت مزاولتها تعرف العديد من الاكراهات اليومية في مواجهة مباشرة مع المواطنين، مما يطرح التساؤل عن الدوافع التي جعلت من هيبته تتوارى؟
*** اييه يازمان!!
كان حينها يدعى “القايد وما أدراك ما القايد” صاحب شخصية قوية تحمل الوقار والثقة والسمع والطاعة، يسير بهيبته ممتطيا جواده لاَبسًا سلهامه، وبجواره كان يسير مساعدوه اتباعا، كان يعتبر مصدر قوة في حل النزاعات وضبط الحياة العامة، بصفته القائد الحاكم والناهي والمرشد في فك شفرات الشكاوى المعروضة عليه من عامة الناس، وكثير من المظلومين انصفهم واعتد لهم الحقوق دون اللجوء الى مسطرة القضاء، كلامه فوق الكل لايرد ولا يناقش لأنه من أصحاب القرار، فكان المواطن البسيط يجد في القائد تلك الشخصية المنصفة والسند الحقيقي للحفاظ على ممتلكات وصون كرامته لا كلام يعلو فوق كلامه، لا نقاش ولا جدال مادام هو صاحب القرار، إنه القائد في زمانه الذي تغنت به الأجيال في مواسم الافراح كما هو الشأن في حياة القايد العايدي التي لازالت ألسن اصحاب الفن من العيطة يرددونها: (دوّزها واحد فالقياّد دوّزها القايد العيّادي).
نمـــــــوذج من نمــــــــــاذج شتى
نقف هنا على نموذج من نماذج شتى عانت منها معظم مدننا، وهي ظاهرة احتلال الملك العمومي، لنسلط الضوء على الخطة المحكمة التي تمت بها محاربة الظاهرة بعاصمة الشاوية سطات، بعد أن أخذت من احتلال الشوارع والأزقة ما أخذت.
فعلا، كانت حملات طالت شوارع وأزقة وأحياء للقضاء على ظاهرة احتلال الملك العمومي..
فعلا أعقبتها مقاربات جريئة لايواء العديد من أصحاب المهن المنتمين للقطاع المهني الغير المهيكل، من أصحاب ” الحلزون، والأكلات الخفيفة…”..
حتى بعض الخضارة وبائعي الفواكه تم إعادة انتشارهم بأماكن خُصصت لايوائهم…
هنا بحي الخير بسطات على سبيل المثال، رصدت هبة بريس تحركات قائد شاب رفقة أعوانه ودوريات القوات المساعدة للقيام بحملات تمشيطية بالقرب من مسجدي الخير ومجمع الخير…
حتى أنه فكر وقرر ايواءه البعض ببقعة أرضية صهريج الماء المقابل لمسجد مجمع الخير وذلك بعد أن عاث هؤلاء الباعة فوضى بساحة المسجد مع أصواتهم المزعجة وكلام البعض منهم النابي…
لكن في المحصلة، حتى الكثير من المواطنين يتحملون المسؤولية، فهم في ذات الوقت يتبضعون من عرباتهم المجرورة ويشترون منهم المشتريات والفواكه والخضروات، وفي ذات الحال ينددون ويستنكرون تواجد هؤلاء بساحة المسجد..
هي مفارقة غريبة، وازدواجية في التعامل، فالمنطق يقتضي أن يُقاطع المواطنون التبضع من الباعة الجائلين المحتلين للشوارع والساحات، لا أن يشترون منهم وفي ذات الوقت ينتقذونهم وتجارتهم…