هبة بريس
جاءت زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستافان دي ميستورا، إلى الجزائر في لحظة دبلوماسية حاسمة، تعكس حجم التحولات الجوهرية التي تعرفها قضية الصحراء المغربية خلال السنوات الأخيرة، خاصة في ظل تزايد الزخم الدولي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب منذ 2007 باعتبارها الحل السياسي الجاد والعملي لإنهاء هذا النزاع المفتعل.
التأكيد على تمسك واشنطن بموقفها الداعم للمغرب
وتدخل زيارة دي ميستورا الأخيرة ولقاؤه بوزير خارجية النظام الجزائري أحمد عطاف ضمن جولة إقليمية تمهيداً لتقريره المرتقب أمام مجلس الأمن في أكتوبر المقبل، وهو تقرير يترقبه العالم لتقييم مستوى تجاوب الأطراف مع جهود الأمم المتحدة. غير أن الواقع بات واضحاً: المجتمع الدولي يميل بشكل متزايد نحو دعم المقترح المغربي، وهو ما أكدته مواقف قوى كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي جددت التزامها بدعم مبادرة الحكم الذاتي.
فاللقاء الأخير بين دي ميستورا ومستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس جاء ليعيد التأكيد على تمسك واشنطن بموقفها الثابت، وعلى الاعتراف الأمريكي الصريح بمغربية الصحراء منذ 2020.
هذا الموقف لم يعد معزولاً، إذ انضمت إليه عواصم من أوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، تُرجم عملياً بفتح قنصليات في العيون والداخلة، في إشارة واضحة لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
الأهم أن دي ميستورا نفسه، في حوار مع مركز أبحاث إيطالي، أقر بمسؤولية الجزائر “بشكل أو بآخر” في استمرار النزاع، وهو تحول لافت في خطابه، ويعكس انزعاجه من الدور التخريبي الذي تمارسه الجزائر عبر دعمها العلني لميليشيات البوليساريو بالمال والسلاح والدبلوماسية، ورفضها المتكرر للانخراط الجدي في أي مفاوضات.
هذا الموقف الأممي الجديد ينسجم مع ما ظل المغرب يردده لسنوات: أن الجزائر ليست طرفاً محايداً، بل هي الطرف الرئيسي في هذا النزاع. وبالتالي، فإن أي مسار تفاوضي جاد لا يمكن أن يرى النور دون إشراك مباشر وصريح للجزائر، بعيداً عن سياسة الهروب إلى الأمام والمناورة الفارغة.
ظروف مأساوية المحتجزين في تندوف
وتكشف جولة دي ميستورا الحالية أيضاً محدودية خطاب البوليساريو وتآكل مصداقيتها، بعدما باتت المبادرة المغربية تحظى بدعم دولي واسع، فيما تغرق قيادة الجبهة الانفصالية في شعارات بائدة أمام تحولات الواقع الجيوسياسي.
في المقابل، يزداد الوضع الإنساني قتامة داخل مخيمات تندوف، حيث يعيش آلاف المحتجزين في ظروف مأساوية محرومين من أبسط حقوقهم، تحت وصاية الجزائر ودعمها لنظام البوليساريو الفاشل، بينما تعلو أصوات تطالب بإنهاء هذا الوضع وإعادة إدماجهم في وطنهم الأم المغرب.
وعلى النقيض من ذلك، يواصل المغرب تعزيز حضوره في أقاليمه الجنوبية بمشاريع تنموية كبرى واستثمارات استراتيجية في البنية التحتية والطاقة والتعليم، ما يجعل هذه المناطق قطباً تنموياً حقيقياً وقاطرة لإفريقيا، في انسجام تام مع رؤية المملكة لترسيخ سيادتها عبر الإنجازات الواقعية لا عبر الخطابات الجوفاء.
وعليه، فإن زيارة دي ميستورا للجزائر ليست مجرد محطة بروتوكولية، بل امتحان حقيقي للمبعوث الأممي الذي لم يعد أمامه ترف المواربة، خاصة وأن الحقائق على الأرض والمواقف الدولية باتت تصب جميعها في اتجاه واحد: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الواقعي لإنهاء النزاع المفتعل، وإرساء الاستقرار بالمنطقة، وإنهاء معاناة المحتجزين في مخيمات تندوف الذين حان وقت عودتهم إلى وطنهم الأم بكرامة وحرية.