هبة بريس
اعتقلت السلطات الجزائرية يوم 10 شتنبر العقيد سليم بلعزوق، المدير السابق للشرطة القضائية بالمديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI)، بتهم فساد ثقيلة. وبعد أسبوع خلف القضبان، مثل يوم 15 شتنبر أمام وكيل الجمهورية بالمحكمة العسكرية بالبليدة، الذي قرر استمرار اعتقاله.
النظام الجزائري مافيوزي
القضية كشفت مرة أخرى عن الطابع المافيوزي للنظام الجزائري، بعدما تبين أن بلعزوق راكم ثروات ضخمة عبر صفقات مشبوهة، من بينها امتيازات مالية حصل عليها بفضل أحد أبناء الرئيس عبد المجيد تبون، إضافة إلى دعم مديري ديوان الرئاسة المتعاقبين.
مصادر مطلعة أوضحت أن العقيد، الذي كان قبل أسابيع جزءا من الجهاز الأمني الأكثر نفوذا، أصبح اسما مضافا إلى لائحة طويلة من الضباط المغضوب عليهم. ومع أن مشواره في الفساد ممتد لعقود، إلا أن سقوطه المدوي هذه المرة جاء بتعليمات مباشرة من رئيس الأركان الجنرال سعيد شنقريحة، في إطار صراع مستعر بين أجنحة السلطة.
بلعزوق كان واحدا من أبرز الضباط الأثرياء في البلاد؛ يملك فيلات فاخرة وشققا في أحياء راقية بالجزائر العاصمة، فضلا عن شركات وهمية مسجلة باسم أقاربه تغطي أنشطة في قطاعات مختلفة. أما ابنته، فتقيم في شقة بالدائرة الثامنة في باريس، تتلقى شهريا آلاف اليوروهات لتغطية مصاريف دراستها، في صورة فاضحة لتناقضات دولة تغرق شعبها في العطش والفقر.
الارتباط المباشر بآل تبون زاد من خطورة القضية، إذ تشير المعطيات إلى أن محمد تبون، نجل الرئيس الموصوف بـ“سعيد بوتفليقة الجديد”، لعب دورا محوريا في إدماج بلعزوق داخل دائرة المصالح الرئاسية. فمنذ لقائهما الأول سنة 2017، عبر أحد أباطرة استيراد الموز، منح محمد تبون للضابط امتيازات غير مسبوقة مثل رخصة تصدير المنتجات الغذائية، ثم ساعده سنة 2024 على العودة إلى جهاز الأمن الداخلي رغم إحالته رسميا على التقاعد.
ابتزاز رجل أعمال مقرب من شنقريحة
ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي رغبات آل تبون، إذ أن تحالف بلعزوق مع جناح الرئاسة وتورطه في ابتزاز رجل أعمال مقرب من شنقريحة كان بمثابة تجاوز للخطوط الحمراء، وهو ما سرّع قرار إطاحته والزج به في السجن.
هذه القضية ليست معزولة، بل تعكس صراعا عميقا بين رئاسة الجمهورية وقيادة الأركان. صراعٌ تُدار به البلاد في مناخ من الشكوك والابتزازات.
وزادت ملفات أخرى تزيد من تعقيد المشهد، أبرزها قضية المخدرات الضخمة لسنة 2018 التي تورط فيها خالد تبون، نجل الرئيس الآخر، والمتعلقة بشحنة 701 كيلوغرام من الكوكايين المحجوزة في وهران. فرغم إدانته، لم يقض سوى 18 شهرا في السجن قبل أن يطلق سراحه سنة 2020 بمجرد وصول والده إلى قصر المرادية.
أما بلعزوق، فقد كان أحد أبرز وجوه “العشرية السوداء”، حيث استغل مناخ الرعب لابتزاز رجال الأعمال والاستيلاء على ممتلكات الضحايا تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”. ورغم تاريخه الدموي والفساد المزمن، فإن العدالة لم تتحرك إلا حين مست مصالح الجنرال شنقريحة.