سياسي من أصول مغربية مرشح لرئاسة الحكومة الهولندية

حجم الخط:

هبة بريس – محمد زريوح

تشهد هولندا أجواء سياسية استثنائية مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في 29 أكتوبر 2025، وذلك بعد انهيار الائتلاف الحكومي ودخول البلاد في مرحلة جديدة من التوازنات الحزبية. وفي خضم هذا السياق المضطرب، يبرز اسم أحمد أبو طالب، السياسي المنحدر من أصول مغربية بالريف، كأحد أبرز المرشحين الذين قد يقودون الحكومة المقبلة، في سابقة تاريخية تثير اهتمام المتابعين داخل البلاد وخارجها.

استطلاع للرأي أجراه معهد متخصص وشمل أكثر من 1200 ناخب أظهر أن أبو طالب يتصدر قائمة الشخصيات الأكثر حظًا لتولي منصب رئيس الحكومة بنسبة 13 في المئة من نوايا التصويت. ورغم أن هذه النسبة لا تمثل أغلبية، فإنها كافية لتمنحه أفضلية رمزية على منافسيه وتجعله محط أنظار وسائل الإعلام والنخب السياسية، خصوصًا أنه يمثل تيارًا إصلاحيًا داخل الحزب العمالي الهولندي (PvdA).

أبو طالب، الذي وُلد في المغرب وبالضبط الناظور قبل أن يهاجر صغيرًا إلى هولندا، راكم تجربة سياسية وإدارية طويلة، حيث شغل منصب عمدة مدينة روتردام لسنوات، وتمكن خلالها من فرض صورة رجل الدولة الصارم والبراغماتي، الذي يوازن بين الانتماء إلى قيم الاندماج والمطالبة بالصرامة الأمنية في مواجهة التطرف. هذه الخلفية جعلته يحظى بتقدير فئات واسعة من الناخبين الهولنديين، بمن فيهم غير المنتمين تقليديًا لليسار.

لكن المنافسة تبدو محتدمة، إذ يأتي في المرتبة الثانية غيرت فيلدرز، زعيم حزب الحرية (PVV) اليميني المتطرف، بحصوله على 11 في المئة من نوايا التصويت. فيلدرز يواصل الاعتماد على خطاب شعبوي يركز على قضايا الهجرة والإسلام، وهو ما يجذب قاعدة ناخبة محددة، خاصة من ذوي المستويات التعليمية المتوسطة أو التقنية، ما يجعله خصمًا قويًا رغم التراجع النسبي في شعبيته مقارنة بالاستحقاقات السابقة.

وفي مراتب تالية، حصل هنري بونتنبال، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي (CDA)، على 7 في المئة من نوايا التصويت، وهو نفس الرقم الذي سجله فرانس تيميرمانس، مرشح التحالف اليساري المشترك بين الحزب العمالي وحزب اليسار الأخضر. ورغم أن هذه النسب تبدو متواضعة، إلا أن وزن هذه الأحزاب داخل البرلمان المقبل قد يكون حاسمًا في تشكيل أي ائتلاف حكومي محتمل.

نتائج الاستطلاع أوضحت أيضًا أن أبو طالب يتمتع بتأييد لافت من الفئات المتعلمة وكبار السن، وهو ما يعكس صورة رجل السياسة “المحترم” الذي يلقى قبولًا لدى شرائح واسعة تبحث عن الاستقرار والكفاءة. في المقابل، يعتمد فيلدرز على خطاب احتجاجي يجذب شريحة مختلفة من الناخبين، ممن يشعرون بالتهميش الاقتصادي والاجتماعي، ما يعزز الانقسام الواضح في المزاج الانتخابي داخل هولندا.

الانتخابات المبكرة تأتي عقب انسحاب حزب فيلدرز من الائتلاف الحاكم، وهو ما فجر أزمة سياسية وأدخل البلاد في حالة من الغموض، حيث يسعى كل حزب اليوم إلى استثمار هذا الظرف لتقوية موقعه التفاوضي في البرلمان المقبل. وهذا ما يجعل المعركة المقبلة ليست فقط حول شخصية رئيس الحكومة، بل أيضًا حول طبيعة التحالفات الممكنة في ظل برلمان مفتت بين عدة قوى متقاربة نسبيًا.

وبينما تستعد الأحزاب لحملة انتخابية يتوقع أن تكون محتدمة، تزداد الأنظار الموجهة إلى أحمد أبو طالب، باعتباره مرشحًا يمكن أن يكتب تاريخًا جديدًا في الحياة السياسية الهولندية، من خلال وصول شخص من أصول مغربية إلى قيادة الحكومة. هذا الاحتمال يثير حماسًا لدى الكثير من الناخبين المنتمين للأقليات، وفي الوقت نفسه يثير مخاوف خصومه السياسيين الذين يرون فيه رمزًا لتغير عميق في هوية المشهد السياسي الهولندي.

في حال نجاح أحمد أبو طالب في قيادة الحكومة الهولندية، فإن ذلك سيكون حدثًا فارقًا بالنسبة للجالية المغربية التي تشكل واحدة من أكبر وأقدم الجاليات المهاجرة في هولندا. فبعد عقود من الاندماج التدريجي، سيُنظر إلى وصول شخصية من أصول مغربية إلى أعلى منصب تنفيذي في البلاد كاعتراف صريح بمكانة هذه الجالية ومساهمتها في مختلف المجالات. كما قد يعزز ذلك شعور الانتماء والاندماج لدى الأجيال الشابة، التي ستجد في تجربة أبو طالب نموذجًا ملهمًا يبرهن أن النجاح السياسي متاح بغض النظر عن الخلفية العرقية أو الدينية، وهو ما قد ينعكس إيجابًا على صورة المغاربة والمسلمين عمومًا داخل المجتمع الهولندي