مصباح أحمد – الجديدة
أفضت الأبحاث والتحريات الميدانية التي أجراها المحققون لدى مركز الدرك الملكي بأزمور، التابع لسرية الجديدة، تحت إشراف قائد المركز الجديد، الذي تم تعيينه شهر غشت الماضي، إلى الاهتداء، الخميس الماضي، إلى مكان الاحتفاظ بالعربة التي استعانت بها عصابة إجرامية من “الفراثشية”، لتنفيذ سرقات موصوفة استهدفت مؤخرا بشكل متسلسل ومتتال، تحت جنح الظلام، وبتعدد الفاعلين (الجناة)، وباستعمال ناقلة ذات محرك، دواوير بتراب دائرة ازمور.
وهي القضايا الجنائية التي مازالت مصالح الدرك الجديدة، ممثلة في الفرقة الترابية بمركز اثنين شتوكة، والفرقة الترابية بمركز أزمور، والمركز الترابي لدى جهوية الجديدة (مازالت) تجري بشأنها الأبحاث، تحت إشراف النيابة العامة المختصة لدى استئنافية الجديدة.
هذا، وانتقلت دورية محمولة من مركز الدرك بأزمور، الخميس الماضي، إلى موقف السيارات، بالمدار الحضري لمدينة أزمور، حيث ضبطوا العربة المستهدفة، وذلك بحضور ومؤازرة عناصر أمنيين من مفوضية الشرطة بأزمور، التي يخضع “الباركين” لنفوذها الترابي والأمني.
ويتعلق الأمر بعربة نفعية (فلاحية) “بيكاب”، من نوع “ISUZI”، رمادية اللون (لون الدرهم)، واقيتها الزجاجية الأمامية مهشمة جزئيا، من الجهة العليا، المقابلة للمقود.
وكانت تحمل لوحة ذات ترقيم مزور، مستنسخة عن لوحة معدنية لسيارة في ملكية سيدة تقطن بمدينة الڴارة، بإقليم برشيد، والتي تبعد ب50 كيلومترا عن الدارالبيضاء. حيث عثر بداخلها المحققون الذين استعانوا بالمصلحة العلمية والتقنية (التشخيص القضائي)، لرفع البصمات، جراء البحث الذي أجروه، على وثائقها الأصلية (البطاقة الرمادية..)؛ ما أبان أنها كانت تعرضت للسرقة، وأن مالكها كان بلغ عنها لدى المصالح الأمنية المختصة.
وقد مكنت الأبحاث والتحريات الميدانية من تحديد هوية السائق “الفراقشي”، الذي كان يتردد، عقب كل عملية تنفذها العصابة الإجرامية، على مدينة أزمور، للاحتفاظ بالعربة النفعية، وسيلة السرقات الموصوفة، في موقف العربات، مسرح ضبطها. هذا العنصر الإجرامي الذي يوجد في حالة فرار، والذي أصدرت في حقه الضابطة القضائية برقية بحث وطنية.
وقد توصل المحققون إلى كون العربة النفعية، التي تم حجزها لفائدة البحث، وإيداعها في “الفوريان” ، كانت عصابة “الفراقشية”، التي تضم أزيد عن 5 عناصر إجرامية، جلهم إن لم يكونوا جميعهم، من ذوي السوابق، مع حالة العود (la récidive)، ذات ارتباط بمحاولة السرقة التي استهدفت ليلا، شهر شتنبر الجاري، “كوري” للأبقار، كائنا بدوار “المزاوير”، بجماعة سيدي علي بنحمدوش، بإقليم الجديدة.
وحسب “فيديو” متداول على نطاق واسع على “يوتوب”، فإن الجناة (الفراقشية)، أفراد العصابة الإجرامية، قد استهدفوا في ساعة متأخرة من الليل، بيت أسرة فقيرة، كان أفرادها يخلدون وقتها للنوم.
ففيما توقفت العربة النفعية “بيكاب” من نوع “ISUZI”، رمادية اللون (لون الدرهم)، وسيلة السرقة الموصوفة، على بعد حوالي 30 مترا، ولازم سائقها مكانه أمام المقود، تأهبا للانطلاقة، فور شحن المواشي المسروقة، ترجل باقي عناصر العصابة، الذين تسللوا تحت جنح الظلام، إلى “الكوري” المستهدف، لصيق بالبيت، ويطل مباشرة على الخارج، من أجل جلب الأبقار وحملها على متن العربة الفلاحية. حيث أثار الإحساس بحركة غريبة وضوء ينبعث من مصباح يدوي “بيل”، انتباه أفراد الأسرة، الذين قفزوا لتوهم من الفراش.
إذ بادرت الزوجة بالخروج، واعترضت العربة التي شغل السائق محركها، بعد أن افتضح أمر اللصوص والسرقة. فما كان من الأخير الذي انطلق هاربا بسرعة جنونية، للنجاة بجلدته، إلا أن صدم السيدة بعربته، وجرها، غير مكترث بالخطر الذي كان يتسبب فيه، والذي هدد حياتها وسلامتها؛ حيث أصيبت على إثر ذلك بإصابات جسمانية.
الأمر الذي استدعى تدخل ابن الضحية، الذي حاول اعتراض العربة، في محاولة لإيقافها في عين المكان، سيما بعد أن وجه إليها ضربات بعصا، حطمت مقدمتها ومرآتها الجانبية الأمامية.
وبعد أن تعالى الصياح، وتمكن السائق من الفرار تحت جنح الظلام، وسط الحجارة والحقول، تجمهر سكان الدوار حول أحد الجناة، ممن كانوا تسللوا إلى “الكوري”، والذي أوقفه الابن، بعد ملاحقته جريا على الأقدام. حيث حاصره المواطنون، الذين وثق بعضهم بهواتفهم النقالة، لعملية إيقافه وتقييده.
كما تمكنوا من ضبط القفازات، التي كان “الفراقشي” الموقوف يضعها في يديه، أثناء تنفيذ عملية السرقة الموصوفة، تفاديا لترك البصمات في مسرح الجريمة، والتي تخلص منها، بعد أن عمد إلى دفنها تحت التراب، في محاولة للتنصل من الفعل الجرمي المنسوب إليه. كما أن الجاني عمد، حسب تصريحات الزوجة (الضحية)، المضمنة في “الفيديو” المتداول، وتحت ضغط المواطنين المتجمهرين، إلى الاتصال بواسطة هاتفه النقال، بشريكه السائق الفار، والذي أوقف في حينه تشغيل محموله، عقب مكالمة هاتفية وجيزة، ليقطع بذلك أية فرصة لاتصال والتواصل معه.
هذا، وقد حل رجال الدرك من الفرقة الترابية للدرك الملكي بمركز اثنين شتوكة، صاحبة الاختصاص الترابي، بمسرح الجريمة، حيث تسلموا الجاني الذي تحفظ عليه المواطنون بمقتضى “حالة التلبس”، جراء مطاردته، والذي يبقى بالمناسبة من ذوي السوابق في مجال سرقة المواشي (الفراقشية)، وهو حديث الإفراج عنه من السجن، بعد أن قضى مؤخرا عقوبة سالبة للحرية.
وقد قام المحققون الذين استعانوا بالمصلحة العلمية والتقنية، بالمعاينات والتحريات الميدانية، في مسرح الجريمة، وبالتقاط الصور الضرورية، وبحجز هاتف العنصر الإجرامي الموقوف، والقفازات التي كان يضعها “الفراقشي” الموقوف، لحظة محاولة السرقة الموصوفة، وبأخذ أثار العجلات من أرضية المسالك التي مرت عبرها، وبالاطلاع على تسجيلات “دي في إر” كاميرا مثبتة على واجهة أحد المنازل، أظهرت بالواضح والملموس العربة الفلاحية، وسيلة محاولة السرقة الموصوفة، وهي تعبر طريقها أكثر من 3 مرات داخل التجمع السكني.
وفي إطار التحريات التقنية، وما يعرف ب”l’excitation du réseau “، أجرى المتدخلون الدركيون،
مباشرة من مسرح الجريمة، في شعاع 100 متر، وقطر 200 متر، 3 مكالمات هاتفية، من فاعلي وشركات الاتصالات المعتمدة بالمغرب (اتصالات المغرب – إينوي – أورانج).
ومواصلة للأبحاث والتحريات، استقدم المحققون من دوار “الهواشمة”، بدائرة أزمور، مشتبها به ووالده، حامت حوله بشكل قوي شبهات الانتساب إلى عصابة “الفراقشية”، والمشاركة والتورط في جريمة تكوين عصابة إجرامية، والسرقة الموصوفة، تحت جنح الظلام، وبتعدد الفاعلين (الجناة)، وباستعمال ناقلة ذات محرك. حيث استمعت الضابطة القضائية إليهما، في مرحلة أولية، في محاضر قانونية، قبل السماح لهما بالمغادرة.
وينتظر المحققون، لاستكمال إجراءات البحث، نتائج الخبرة التقنية التي يجريها معهد علوم الأدلة الجنائية للدرك الملكي بالرباط، على الهاتف المحجوز، الذي أجرى منه “الفراقشي” الموقوف مكالمة مع سائق الناقلة، العربة النفعية، التي نفذت بواسطتها عصابة “الفراقشية” الإجرامية، محاولة السرقة الموصوفة، وكذا، على المكالمات الهاتفية التي جرت أو أجراها الجناة من مسرح ومحيط الجريمة، في قطر 200 متر، وذلك لتحديد الهواتف المتصلة لحظة محاولة السرقة، وحصر قائمة ٍبأرقامها وأصحابها، الذين قد يدخلون في دائرة الاشتباه والتحقيق.
هذا، وقد باتت هذه الجريمة وجرائم سرقة المواشي بدائرة أزمور، تشغل الرأي العام .. حيث يشير بعضهم، بحكم كونهم من أبناء المنطقة، وتبعا للقيل والقال، وللإشاعات التي تتداولها الألسن، إلى أن عصابة “الفراقشية”، التي أفرادها من أبناء المنطقة، جلهم إن لم يكونوا جميعهم من ذوي السوابق وحالة “العود”، ومن المحتمل جدا أن من بينهم شخصين، تحوم حولهما بشكل قوي الشبهات، وهما من دوار “الڴويدر” بجماعة الحوزية، أحدهما من ذوي السوابق، سيما أن مركز درك أزمور كان استمع إليهما، للاشتباه في تورطهما في أفعال إجرامية.
إلى ذلك، فإن نتائج الخبرة التقنية التي يجريها معهد علوم الأدلة الجنائية للدرك الملكي بالرباط، والتي قد تتأخر بعض الوقت، نظرا للضغط الحاصل، سيما في ظل كثرة طلبات إجراء الخبرة، التي تتقاطر عليه من مختلف مصالح الدرك الملكي اللاممركزة، من مختلف جهات وأقاليم المغرب، في موضوع المئات من المساطر القضائية، التي تجري بشأنها الأبحاث والتحريات. حيث إن نتائج الخبرة ستكون حاسمة في تحديد هويات باقي أفراد عصابة “الفراقشية” ذاتها، الذين يروعون المنطقة، جراء السرقات الموصوفة، التي ينفذونها، والتي يتبخرون على إثرها في الطبيعة.. كالأشباح.