هبة بريس – عبد اللطيف بركة
في بلدٍ عُرف تاريخيًا باستقراره السياسي والاجتماعي، عادت مؤخراً مشاهد الاحتجاجات لتتصدر واجهة الأحداث، بعد انطلاق شرارتها من أمام أسوار مستشفى الحسن الثاني بأكادير، الذي بات رمزًا لما يصفه المحتجون بـ”الاختلالات العميقة” التي تعرفها المنظومة الصحية.
ورغم تدخل السلطات المحلية بعزل بعض المسؤولين الإداريين وتعويضهم بآخرين، فإن وتيرة الاحتجاجات لم تهدأ، بل شهدت امتدادات في مناطق أخرى، تغذيها عوامل متشابكة تتجاوز القطاع الصحي، لتُلامس عمق الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم.
– الصحة كمرآة للأزمة
ما بدأ كاحتجاجات على ظروف الاستشفاء والتدبير الإداري سرعان ما تحول إلى صرخة احتجاج واسعة ضد غلاء المعيشة وتردي الخدمات العمومية. المستشفى لم يكن سوى “الفتيل”، أما “البارود” الحقيقي فهو التراكم المزمن للمطالب الاجتماعية، من التشغيل إلى السكن، مرورًا بالصحة والتعليم.
ورغم أن السلطات أبدت تجاوبًا سريعًا نسبيًا مع مطالب المحتجين، إلا أن ما تبين هو أن الأزمة أعمق من مجرد تغيير في مواقع المسؤولية، فالثقة المهزوزة بين الشارع والمؤسسات تحتاج أكثر من قرارات ترقيعية.
– الأحزاب في مرمى الانتقادات
زاد منسوب الاحتقان أيضًا ما بات يُعرف بـ“الفراغ السياسي”، حيث انشغلت قيادات الأحزاب بصراعات داخلية وتراشق إعلامي لا يعكس حجم المسؤولية التي يُفترض أن تضطلع بها هذه المؤسسات التمثيلية في تأطير المواطنين وتقديم حلول ملموسة. بل إن بعض الخرجات الإعلامية غير المحسوبة لزعماء سياسيين ساهمت في تعميق الإحساس بالتذمر وفقدان الثقة.
الاحتجاجات، التي كانت بالأمس محصورة في قضايا مطلبية محددة، باتت اليوم تحمل في طياتها رسائل سياسية صامتة، تكشف عن عمق الهوة بين الفاعل السياسي وقواعده الشعبية، في وقت يحتاج فيه البلد إلى مزيد من التلاحم والاستقرار.
– الداخلية… حضور دائم لتطويق الأزمة
وسط هذا المشهد، برز دور وزارة الداخلية كفاعل محوري في تطويق موجات الغضب، من خلال فتح قنوات الحوار، وإيفاد لجان مركزية لتقصي الحقائق، واتخاذ قرارات آنية تعكس إرادة في الإصلاح. غير أن كل هذه التحركات، على أهميتها، لا يمكن أن تنوب عن ضرورة إحداث إصلاحات شاملة ومستدامة تمس القطاعات الحيوية، وتستجيب لتطلعات الشباب، وتعيد الاعتبار للفعل السياسي الجاد.
– استقرار لا يُشترى بالمسكنات
إن منسوب الوعي الذي أبان عنه المواطنون، رغم احتجاجاتهم، هو دليل على تشبثهم بالأمن والاستقرار. لكن هذا الاستقرار، الذي يُعد أحد أهم مكتسبات البلاد، لا يمكن ضمانه ما لم يُرافقه عدل اجتماعي، وتنمية حقيقية، وتوزيع منصف للثروات، وقبل ذلك، خطاب سياسي مسؤول يعيد للثقة مكانتها.
فترديد المحتجين لشعارات في تظاهراتهم ” إسقاط الفساد” مع ترديد النشيد الوطني يظهر بالملموس تلاحم بين الشعب والملك من أجل المضي قدما في الإصلاحات التي بتشرها الملك محمد السادس منذ توليه عرش اسلافه، والجميع متفق تماما ان زمن الإصلاحات العميقة من محاربة الفساد عبر المحاسبة هو السبيل الوحيد للمشي قدما نحو بناء مغربي قوي برجاله ونساءه الأبرار.