سفير فرنسي سابق: “الجزائر ترفض تسديد ديون العلاج رغم الامتيازات الضخمة الممنوحة لمواطنيها”

حجم الخط:

هبة بريس

في تطور غير مسبوق أثار ما يشبه الزلزال السياسي والإداري في فرنسا، كشف السفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافيي دريانكور تفاصيل تقرير برلماني صادم بعنوان “تقرير رودويل – لوفيفر”، يُميط اللثام عن الامتيازات الاستثنائية التي يتمتع بها الجزائريون في فرنسا بموجب اتفاقية 1968، وما نجم عنها من تكاليف مالية واجتماعية باهظة تتحملها الدولة الفرنسية منذ أكثر من نصف قرن.

قنبلة سياسية

التقرير الذي أعدّه النائبان شارل رودويل وماتيو لوفيفر من حزب النهضة بزعامة الرئيس إيمانويل ماكرون، وصفه دريانكور بأنه “قنبلة سياسية”، لأنه لا يكشف فقط عن أرقام مذهلة، بل يفضح أيضًا تواطؤ الإدارة الفرنسية وصمت الطبقة السياسية إزاء هذا الملف الحساس الذي ظلّ محاطًا بالسرية لعقود طويلة.

وبحسب التقرير، رفضت الإدارات الفرنسية مرارًا تسليم البيانات الحقيقية المتعلقة بأعداد المستفيدين الجزائريين وكلفة الامتيازات الممنوحة لهم، خوفًا من إشعال الجدل أو اتهامها بالتمييز.

ويقدّر التقرير الكلفة المباشرة للهجرة الجزائرية على الخزينة الفرنسية بنحو ملياري يورو سنويًا، دون احتساب النفقات الإضافية المرتبطة بالإسكان والمساعدات الاجتماعية والقضاء. كما كشف عن ديون ضخمة ناتجة عن علاج الجزائريين في المستشفيات الفرنسية، وهي مبالغ لا تسددها الجزائر رغم تراكمها منذ سنوات.

ويؤكد دريانكور أن الجزائريين يتمتعون بوضع فريد داخل المنظومة القانونية الفرنسية، إذ تمنحهم اتفاقية 1968، التي عُدّلت عدة مرات، حقوقًا لا يتمتع بها أي أجنبي آخر: دخول الأراضي الفرنسية بتأشيرات قصيرة الأمد فقط، الحصول التلقائي على بطاقة إقامة “الحياة الخاصة والعائلية” حتى في حالات الدخول غير القانوني، تسهيلات كبيرة في لمّ الشمل العائلي، وحق الإقامة للزوج أو الزوجة من مواطن فرنسي دون الحاجة لإثبات العيش المشترك، ما فتح الباب أمام زواجات صورية متزايدة.

ويشير التقرير إلى أن تعدد الزوجات لا يؤدي إلى سحب الإقامة من الجزائريين، وأنهم غير ملزمين بتوقيع ميثاق احترام قيم الجمهورية أو إثبات مستوى لغوي أدنى في الفرنسية، وهي شروط مفروضة على باقي الجاليات.

إعانات اجتماعية

كما يحصلون على إعانات اجتماعية مثل RSA (الحد الأدنى للدخل) وAPSA (منحة الشيخوخة) من دون الالتزام بفترات الإقامة أو المساهمة في الضمان الاجتماعي كما هو الحال مع بقية الأجانب.

أما المعطى الأكثر إثارة، فهو أن فرنسا تدفع سنويًا نحو مليار يورو كمعاشات تقاعدية لجزائريين مقيمين في الجزائر، في حين ترفض الجزائر منح معاشات مماثلة للفرنسيين المقيمين على أراضيها، وهو ما وصفه دريانكور بـ “العبث المالي والدبلوماسي” الذي لا نظير له في العلاقات الدولية الحديثة.

وحمّل دريانكور جزءًا كبيرًا من المسؤولية إلى القضاء الإداري الفرنسي، خاصة مجلس الدولة، الذي توسّع في تفسير اتفاقية 1968 بشكل منحاز ومفرط في التساهل، مما مكّن الجزائريين من الجمع بين امتيازات الاتفاقية وامتيازات القانون العام للأجانب، ليحصلوا على “حصانة مزدوجة”. حتى في الحالات التي تشكّل تهديدًا للأمن العام أو في حال الإقامة غير القانونية، يُمنع على السلطات سحب بطاقات الإقامة من الجزائريين، لأن النصوص لا تنص على ذلك صراحة.

ويمثّل تقرير رودويل – لوفيفر لحظة فاصلة في النقاش الفرنسي حول الهجرة والعدالة الاجتماعية، ويفتح الباب أمام مراجعة شاملة للعلاقة مع الجزائر، الدولة التي تستفيد من امتيازات دائمة دون مقابل. وكما قال دريانكور: “إنه جرس إنذار للطبقة السياسية الفرنسية التي تواطأت بالصمت لعقود، وصفعة لسياسة الهجرة التي جعلت من الجزائر عبئًا دائماً على فرنسا.”