هبة بريس – عبد اللطيف بركة
في قلب الأطلس الصغير، حيث تتعانق السماء بجبالها الوردية وتغفو القرى بين وهاد اللوز والصخور المتناسقة كأنها لوحات ربانية، يقف جبل عند مدخل مدينة تافراوت، وقد تحول بفعل الطبيعة إلى ما يشبه رأس أسد شامخ، يحدّق في الأفق بعينين من صخر، كأنه يحرس المدينة التي صاغتها الطبيعة بفرشاة الأبدية.
– حين نحتت الطبيعة رمز الوطن
لم تتدخل يد إنسان في نحت هذا المشهد المدهش؛ بل هي الطبيعة نفسها من أبدعت هذا التكوين الفريد، وكأن الرياح والصخور تواطأت عبر القرون لتجسّد “أسد الأطلس”، ذلك الحيوان الذي كان رمز الشجاعة والبسالة في الذاكرة المغربية، والذي انقرض من غابات الأطلس منذ عقود، لكنه عاد هنا، في تافراوت، حجراً نابضا بالحياة، رمزا للخلود، شاهداعلى أن الرموز لا تموت.
– الأسد الذي أسر عدسات العالم
صورة هذا الجبل “الأسد” لم تمرّ مرور الكرام؛ فعدسات السياح والمصورين التقطتها بشغف، وسرعان ما انتشرت عبر مواقع التواصل ووكالات السياحة كأيقونة جديدة للطبيعة المغربية، صار المكان مقصدا لعشاق التصوير، يقفون عند المدخل الجبلي، ينتظرون لحظة الغروب حين تصبغ الشمس رأس الأسد بوهجٍ ذهبي يجعل الصخور كأنها تتنفس هيبةً ومهابة.
– جبال تتحدث عن بطولات الوطن
جبال تافراوت ليست صخوراً صماء، إنها ذاكرة من صخر، تروي حكايات أجدادٍ قاتلوا دفاعاً عن الأرض والكرامة. كل قمةٍ فيها تشبه فارساً من زمن المقاومة، وكل وادٍ يهمس بأن البسالة ليست فقط في الإنسان، بل في الطبيعة التي أنجبته أيضاً، ومن قلب هذا الجبل-الأسد، يتردد صدى البطولة القديمة في وجه كل من يقف أمامه متأملاً.
– تافراوت… حين يتعانق الإبداع والطبيعة
تافراوت ليست مدينة عادية؛ إنها قصيدة محفورة في الصخر. فمن قبعة نابوليون الشهيرة إلى الصخور الملوّنة التي صاغها رسامون عالميون في سبعينيات القرن الماضي، ظلت هذه المدينة فضاءً تتلاقى فيه رهافة الفنان بعبقرية الطبيعة. ألوان الصخور هناك تتبدل بتبدّل الضوء، فتارة وردية كخدّ فتاة أمازيغية، وتارة بنفسجية كظلّ المساء على الرمال.
– إبداع البشر… وإلهام الطبيعة
تافراوت اليوم ليست مجرد وجهة سياحية، بل هي متحف مفتوح على الهواء، يجمع بين الجمال البريّ والفن الإنساني. فالزائر إليها يشعر أن كل حجر فيها يحكي حكاية، وكل منعطفٍ في الطريق يحمل مفاجأة. ومن بين تلك المعجزات، ينهض جبل الأسد كرمزٍ للخلود، يذكّرنا بأن المغرب كطبيعته لا يشيخ، بل يجدّد نفسه في كل صخرة، وكل نظرة، وكل نسمة تهبّ من جبال الأطلس.
