المبادرة المغربية للحكم الذاتي.. رؤية واقعية لتعزيز الاستقرار الإقليمي

حجم الخط:

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في سياق سعي المملكة المغربية لإيجاد حل نهائي ومستدام لنزاع الصحراء، برزت المبادرة المغربية للحكم الذاتي كإطار سياسي متكامل يزاوج بين مبدأ السيادة الوطنية ومتطلبات التوافق الدولي، مقدمةً رؤية واقعية تحقق التنمية والمصالحة وتكرس الاندماج الوطني في الأقاليم الجنوبية.

حل سياسي توافقي برعاية أممية

ترتكز المبادرة على قناعة راسخة لدى المملكة المغربية بأن تسوية النزاع لا يمكن أن تكون إلا سياسية قائمة على الحوار والتفاهم تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يضع حدًا لحالة الجمود التي طبعت الملف لعقود.

وتهدف هذه الرؤية إلى بناء مصالحة شاملة بين أبناء المنطقة والدولة، من خلال ترسيخ الثقة والانفتاح والتعايش في إطار السيادة والوحدة الترابية للمملكة.

صلاحيات موسعة لتدبير الشؤون المحلية

تقترح المبادرة منح سكان الأقاليم الجنوبية صلاحيات واسعة لتسيير شؤونهم عبر مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية منتخبة، تُمكّنهم من إدارة المجالات الحيوية كالأمن الداخلي، والتنمية الاقتصادية، وتدبير الموارد الطبيعية، والبنية التحتية، والتعليم، والصحة، والسكن، إضافة إلى النهوض بالثقافة الحسانية الأصيلة.

كما تضمن الجهة موارد مالية مستقلة، تشمل عائدات محلية ومخصصات من ميزانية الدولة، في إطار تضامن وطني يعزز التنمية المستدامة ويسمح للمنطقة بالاندماج الكامل في الاقتصاد الوطني.

توازن دقيق بين الجهة والدولة المركزية

في مقابل هذا التفويض الواسع، تحتفظ الدولة باختصاصاتها السيادية في مجالات الدفاع الوطني، الأمن الخارجي، العلاقات الدولية، والرموز الوطنية.
ويواصل الملك، بصفته أمير المؤمنين، أداء مهامه الدينية والدستورية، بما يحافظ على وحدة الدولة ومؤسساتها.

ولتأمين التنسيق بين المستويين الوطني والجهوي، تنص المبادرة على تعيين مندوب للحكومة داخل الجهة يمثل الدولة ويشرف على تنفيذ اختصاصاتها الحصرية.

هياكل ديمقراطية ومؤسسات جهوية مستقلة

يتكوّن نظام الحكم الذاتي من برلمان جهوي منتخب يمثل سكان الأقاليم الجنوبية والقبائل الصحراوية مع ضمان تمثيلية النساء، ويختار هذا البرلمان رئيس حكومة الجهة الذي يشرف على تسيير الشؤون المحلية وتنفيذ البرامج التنموية.
أما السلطة القضائية، فتشمل محاكم جهوية تصدر أحكامها باسم الملك، ومحكمة عليا جهوية تختص بتفسير القوانين المحلية، مع الحفاظ على وحدة النظام القضائي الوطني واستقلاليته.

ضمانات دستورية واحترام لحقوق الإنسان

أكدت المبادرة التزام المغرب بضمان الحقوق والحريات المكفولة دستورياً ودولياً، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميًا.

كما تنص على إنشاء مجالس اقتصادية واجتماعية لتعزيز المشاركة في إعداد السياسات التنموية، وتؤكد أن نظام الحكم الذاتي سيكون موضوع استفتاء حر يشارك فيه سكان الصحراء، انسجامًا مع مبادئ تقرير المصير وميثاق الأمم المتحدة.

مصالحة وطنية وعودة آمنة

في بعدٍ إنساني، تتضمن المبادرة التزام المملكة بإصدار عفو شامل يشمل جميع المعنيين بالنزاع وسكان المخيمات في تيندوف، بما يتيح لهم العودة إلى وطنهم في كنف الكرامة والأمن.

ويقترح المشروع إنشاء مجلس انتقالي لتدبير عملية العودة ونزع السلاح وإعادة الإدماج، تحت إشراف الأطراف المعنية، لضمان انتقال سلس نحو مرحلة جديدة يسودها الاستقرار.

نداء للحوار وبناء مستقبل مشترك

تختتم المبادرة بنداء صريح إلى جميع الأطراف من أجل اغتنام “الفرصة التاريخية” التي تتيحها، باعتبارها مقترحًا جادًا وواقعيًا لتجاوز الجمود السياسي.

وترى المملكة أن هذا الحل لا يهم الأقاليم الجنوبية فقط، بل يشكل رافعة لتعزيز الاستقرار الإقليمي وإحياء التعاون بين دول المغرب العربي، بما يخدم التنمية والأمن في المنطقة ككل.