هبة بريس-عبد اللطيف بركة
تشهد المدن المغربية في السنوات الأخيرة انتشارًا سريعًا وملحوظًا للدراجات الكهربائية، خصوصًا ما يعرف بـ”التروتينيت“، التي أصبحت وسيلة مفضلة لدى فئات واسعة من الشباب والطلبة والعاملين داخل المراكز الحضرية. ورغم إيجابياتها المرتبطة بسهولة التنقل وتجاوز الازدحام وانخفاض التكلفة، فإن هذا الانتشار يحدث في غياب إطار قانوني واضح، الأمر الذي خلق وضعية غير منظمة، وأثار نقاشًا واسعًا حول السلامة الطرقية والمسؤولية القانونية.
فمع غياب التشريع المنظم، يجوب آلاف المستخدمين الشوارع والأرصفة دون احترام لقواعد السير، ودون استعمال الخوذة الواقية، بل يُلاحظ أحيانًا استعمال الهاتف خلال القيادة، أو السير وسط طريق السيارات، أو تجاوز الإشارات الحمراء. هذا الواقع أدى إلى تسجيل حوادث عديدة، بعضها خلّف إصابات خطيرة، خاصة في صفوف الشباب الذين يمثلون الشريحة الأكبر من مستعملي هذه الوسائل. ورغم عدم توفر إحصائيات رسمية دقيقة إلى حدود اليوم، تشير شهادات أطباء ومواطنين إلى ارتفاع عدد الحوادث المرتبطة بالتروتينيت، وهو ما يعكس حجم الإشكال الناتج عن الفراغ التشريعي.
وفي ظل هذا الوضع، بادرت وزارة النقل واللوجستيك إلى إعداد مشروع قانون لتعديل مدونة السير يهدف إلى إدراج الدراجات الكهربائية ضمن الإطار القانوني للتنقل الحضري. ويحدد المشروع تعريفًا واضحًا لمركبات التنقل الشخصي، ويلزم السائقين بارتداء الخوذة واحترام الإشارات، ويمنع استعمال الهاتف أثناء القيادة، كما يمنح للسلطات إمكانية حجز المركبة في حالات معينة، ويحدد السرعة القصوى في حدود 25 كيلومترًا في الساعة. غير أن المشروع، رغم أهميته، أثار نقاشًا حول تفاصيل أخرى ما زالت تحتاج إلى تدقيق، مثل التأمين الإجباري، وشروط الإضاءة والرؤية الليلية، ومسألة تهيئة مسارات خاصة لهذه الدراجات داخل المدن.
الواضح اليوم أن الإطار القانوني المنتظر وحده لن يكفي لمعالجة الوضع، إذ إن دمج هذا النوع الجديد من وسائل النقل يتطلب رؤية حضرية تعتمد على التربية الطرقية، وتهيئة المساحات المناسبة، وإطلاق حملات توعية لفائدة الشباب، مع إشراك الجماعات المحلية والفاعلين المدنيين. فالدراجات الكهربائية ليست مجرد وسيلة للانتقال السريع، بل أصبحت عنصرًا أساسيًا في التحول نحو مدن أكثر استدامة، غير أن استمرار استخدامها خارج القانون يحوّلها من فرصة للتحديث إلى مصدر للفوضى والمخاطر.
ومع انتظار المصادقة على مشروع القانون، يبقى الأمل قائمًا في أن يشكل هذا الإطار خطوة أولى نحو تنظيم عقلاني لهذه الظاهرة، يوازن بين حرية التنقل ومتطلبات السلامة، ويحول الدراجات الكهربائية من إشكال يومي إلى رافعة حقيقية لتحديث التنقل الحضري بالمغرب.
