هبة بريس
في ليلة فرار الجنرال الجزائري عبد القادر حداد — الملقب بـ«ناصر الجن» — الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن الداخلي، سجّلت مياه غرب البحر الأبيض المتوسط مشهداً لم يخلُ من دلالات قوية. في 17 شتنبر 2025، كشفت الصحيفة الإسبانية “theobjective” أنه أقلعت من على متن المدمرة الأميركية يو إس إس روزفلت (DDG-80) مروحية عسكرية أميركية من طراز سيكورسكي MH-60R Seahawk، معدّةً لعملية مراقبة طويلة فوق البحر، حيث نفّذت دورات متتابعة على ارتفاع منخفض لساعات، على مقربة من السواحل الجزائرية والإسبانية.
فرار الصندوق الأسود للنظام العسكري الجزائري
المروحية، التي سجّلت في قواعد الطيران برمز تتبعي محدد، قادتها دوريات شبه متواصلة ذهاباً وإياباً على مسارات متوازية موازية للساحل — ما يشبه «مسار السباق» الذي يعتمد عادة في مهام البحث والتمشيط والجرد الجوي — وهي تحلق على ارتفاع منخفض جداً وبسرعة منخفضة نسبياً بهدف إسناد عمليات رصد دقيقة. هذه الأداءات الجوية تندرج تماماً ضمن أنماط المراقبة البحرية والبحرية-الجوية المعروفة التي تنطلق من سفن حربية أميركية في المتوسط.
ورغم أن المتحدث باسم الأسطول السادس الأميركي حاول تقليص الأمر، واصفاً المهمة بأنها «روتينية»، إلا أن التوقيت والمكان وسلوك المروحية أثارا علامات استفهام كبرى لدى مراقبين دوليين وإقليميين، خصوصاً وأن الحادث تزامن مع فرار شخصية مركزية و«صندوق أسود» للنظام العسكري الجزائري؛ ما يطرح احتمالات عدة: احتجازٍ أميركي محتمل، أو طلب حماية أميركية من قِبل الهارب، أو على الأقل دور استخباراتي أميركي في تتبّع الحدث.
الفرار ذاته لا يقل دلالةً عن الطيران الذي رصده الملاحقون: إن فرار «ناصر الجن» ليس مجرد هروب شخصي، بل صدمة مدوية داخل دواليب النظام العسكري الجزائري. فقد كشف هذا الحدث عن شروخ داخل أجهزة الاستخبارات والجيش والقضاء العسكري، وعن احتمالات تواطؤ داخلي نتيجة صراع أجنحة حاد داخل الهرم الحاكم، وهو ما دفع السلطات إلى تحويل العاصمة إلى ثكنة متنقّلة، مع انتشار نقاط تفتيش وحواجز عسكرية وتشديدات أمنية حتى على المداخل الحدودية المجاورة، وإغلاق مؤقت للحدود مع تونس، بحسب ما تردد في تقارير صحافية ومصادر مطلعة.
أزمة بنيوية داخل هرم السلطة بالجزائر
وترد في ألسنة شهود مزاعم مفزعة عن آليات القتل والترهيب التي كانت تُدار بتسليمات مالية ومكافآت لمرتكبيها، ما يجعل من هروبه مادةً قابلة للابتزاز الاستخباراتي ومنافعٍ ضخمة لأي جهاز خارجي يسعى لنسف الألاعيب الداخلية أو استثمار الملف.
هذا التمازج بين دلائل المراقبة البحرية الأميركية وهروب «صندوق أسود» ألقى بظلال ثقيلة على استقرار النظام: فخوف الجنرال المتنفذ سابقاً من “سقوط صندوقه الأسود في أيادي خارجية” دفعه — وفق صيغة روايات متداولة — إلى اتخاذ تدابير يائسة، بينما دفعت القيادات العليا للجيش إلى تشديد الحراسة والتصعيد الأمني لمنع أي انفلات معلوماتي يمكن أن يهزّ مواقع نفوذ كبار الضباط ورجال الأعمال المرتبطين بالنظام.
وفي المحصلة، لا يبدو فرار «ناصر الجن» حادثة معزولة عابرة، بل إشارة إلى أزمة بنيوية داخل هرم السلطة: منافسات نفوذ، شلل مؤسسي، وقلق عميق من انكشاف ملفات قد تقود إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في البلاد. والرهان الآن على ما ستكشفه الأيام المقبلة من معطيات حول مكان وجوده — احتجاز أم حماية أم فرار فعلي؟ — وما إذا كان هذا الحدث سيمثل بداية فصل جديد من المواجهات الداخلية داخل النظام الجزائري، أم مجرد هزة عابرة ستحاول الأجهزة الرسمية طمسها.