هبة بريس – عبد اللطيف بركة
شهدت الساحة المغربية في الأسابيع الأخيرة ولازالت عودة قوية لنبض الشارع، لكن هذه المرة بصوت جديد، بلغة رقمية، وبمطالب لا تقبل التجميل. حمل شباب حركة “جيل زد 212” شعارات تعبّر عن احتقان عميق ورفضٍ لواقع يصفونه بـ”غير القابل للاستمرار”، من تردٍّ في الخدمات الاجتماعية، إلى تصدّع الثقة بالمؤسسات، مرورًا بغياب أي تمثيل سياسي يُشعرهم بأنهم معنيون حقًا بما يحدث.
فمن هم شباب هذا الجيل؟ ولماذا اختاروا الشارع بدل الصناديق؟ وما موقع الأحزاب السياسية من هذه الموجة الجديدة؟ وهل نحن أمام احتجاج لحظي أم لحظة فارقة تُعيد رسم العلاقة بين الدولة، الأحزاب، والمواطن؟
– جيل لا يُشبه أحدًا
يُعرّف جيل “زد” (Generation Z) عمومًا على أنه الفئة المولودة بين أواخر التسعينيات وبداية العقد الثاني من القرن الحالي. إنه جيل الإنترنت، والذكاء الاصطناعي، والفضاء الرقمي اللامحدود. لكنه أيضًا جيل الأزمات: أزمات ثقة، فرص، هوية، وعدالة.
في المغرب، حمل هذا الجيل وعيًا سياسيًا مختلفًا. وبدل أن ينخرط في التنظيمات الحزبية التقليدية، اختار التعبير بشكل مباشر، تلقائي، وعابر للوسائط. فخلال الأيام الماضية، دعا الآلاف من الشباب عبر منصات مثل “ديسكورد” و”إنستغرام” و”تيك توك” إلى احتجاجات سلمية في مدن متعددة. المطلب المركزي كان واضحًا: نريد كرامة يومية، لا خطابات موسمية.
– لماذا خرجوا الآن؟
أولًا: تراكم الإحباط
الاحتجاجات جاءت على خلفية فواجع إنسانية مثل حادثة “مستشفى الموت” في أكادير، حيث توفيت نساء أثناء الولادة في ظروف تُوصف باللاإنسانية. لكن الغضب لم يكن وليد لحظة. بل هو تراكم لسنوات من الشعور بالتهميش، من تعطل وعود التنمية، وتراجع جودة التعليم والصحة، واستفحال الفساد.
ثانيًا: غياب القنوات الفعالة
في زمن يُفترض فيه أن الأحزاب تُؤطر الشارع وتُمثله، بدا واضحًا أن جزءًا كبيرًا من الشباب لم يعد يراها قنوات شرعية للتغيير. فبحسب دراسات واستطلاعات رأي وطنية، النسبة الساحقة من الشباب المغربي تعلن صراحةً أنها لا تثق بالأحزاب، ولا ترى فيها مؤسسات قادرة على التعبير عن همومها أو الدفاع عن مصالحها.
ثالثًا: التواصل الرقمي وتجاوز الوسيط
يبدو أن هذا الجيل لم يعد ينتظر من يمثّله أو يتحدث باسمه. المنصات الرقمية مكّنته من التنظيم والتعبئة والخطاب دون الحاجة إلى حزب، نقابة أو جمعية. لقد تجاوز الوسيط، وقرّر أن يكون هو ذاته صاحب الرسالة والشارع.
– الأحزاب: في موقف المتفرّج؟
من اللافت أن أغلب الأحزاب السياسية الكبرى في المغرب تعاملت في البداية بصمت مع حركة “جيل زد”،صمت فسره م المحتجّين على أنه عجز عن الفهم أو خوف من المواجهة.
لاحقًا، صدرت دعوات خجولة إلى الحوار والإنصات، وأخرى طالبت الحكومة بالاستجابة لمطالب الشباب. لكن الخطاب ظل تقليديًا، مترددًا، وغير قادر على الوصول إلى الجيل الجديد بلغته وأساليبه.
في المقابل، لم تخلُ بعض المواقف من محاولات للركوب السياسي، أو استغلال الموجة لتصفية حسابات داخلية. ما زاد من نفور الشباب، وأكد اعتقادهم بأن الأحزاب، بشكليتها الحالية، غير قادرة على مواكبة التحول العميق الذي يعيشه المغرب.
– من التمثيل إلى التحول
ما يحدث اليوم ليس مجرد احتجاجات موسمية، بل إعادة طرح لسؤال التمثيل السياسي في المغرب. هل تمثل الأحزاب فعليًا الشارع؟ وهل تتحدث باسمه أم باسم مصالح نخبوية؟ وهل يمكن تجديد العقد الاجتماعي دون إصلاح جذري للمؤسسات الوسيطة؟.
قد تكون حركة “جيل زد” بمثابة ناقوس إنذار. لكنّها أيضًا فرصة. فرصة للأحزاب كي تعيد صياغة علاقتها بالشباب، تتبنى خطابًا صادقًا، آليات عمل جديدة، وقيادات من قلب الشارع لا من صالونات السياسة. كما قد تكون فرصة للدولة لإعادة بناء الثقة، ليس عبر وعود إعلامية، بل عبر إصلاحات حقيقية تضع التعليم، الصحة، والكرامة الاجتماعية في قلب الأولويات.
– تحديات المستقبل
الموجة الحالية، رغم زخمها، لا تخلو من مخاطر، فغياب تنظيم واضح قد يؤدي إلى تشتّت المطالب أو صعوبة في التفاوض، ولعل أعمال التخريب التي خرجت في سياق الحركة، جعل الوضع فوضوي في بدايته وقابله استنكار من كل مكونات الشعب المغربي، قبل أن يسفر تعاون بين المواطنين والأمن لإرجاع الأمور لوضعها الأمن في حين سمح باستمرار الاحتجاجات السلمية في الشارع، كما ساد التخوف كذلك
من استغلال الحراك من أطراف سياسية أو خارجية قد يُفقده مصداقيته.
لكن في المقابل، يملك هذا الجيل أدواته، لغته، ووعيه. الأهم أنه يملك إرادة التغيير، وهذا في حد ذاته بداية لزمن سياسي جديد.
هل يمكن أن تنجح لغة الاصغاء؟
جيل زد لا يُطالب بالمستحيل. بل يرفع مطالب واضحة: تعليم ذو جودة، صحة تحترم الحياة، فرص عمل تحفظ الكرامة، ومؤسسات تُمثّله لا تستخف به.
فهل تسمع الأحزاب هذا الصوت؟ وهل تملك الشجاعة لتجديد نفسها بدل الدفاع عن قوالب انتهى وقتها؟ وهل ننتقل من احتجاج اللحظة إلى مشروع المستقبل؟
– الشعب يردد صوت الملك للإصلاح
من خلال ما ينشر من مقاطع فيديو لهتافات الشارع أو من خلال تصريحات لأفراد من جيل زد، فإن الأغلبية رددت فصول من الخطابات الملكية السامية، التي دعت ونبهت أكثر من مرة السياسيين بعدم التخادل أو الدخول في صراعات ضيقة ناسية واجبها الوطني تجاه الملك والشعب.
لكن بعد الحراك فالجواب لن يأتي من مقرات الأحزاب، بل من قدرتها على النزول من منصاتها، إلى حيث يوجد المواطن الحقيقي: في الأحياء، في المدارس، في المستشفيات، وفي الفضاء الرقمي المفتوح، فالبلد اليوم وغدا في حاجة ماسة لتلاحم الشعب مع ملكه من أجل استشراف المستقبل، شعاره “الكثير من العمل القليل من الكلام” .