هبة بريس ـ ياسين الضميري
يبدو أن الرياح في بلاد “القوة الضاربة” هبت أخيرا من الاتجاه المعاكس، فبعد سنوات من الخطب النارية التي تزلزل الميكروفونات عن “السيادة المطلقة” و”الكرامة الوطنية” و”عدم الركوع إلا لله”، نفاجأ اليوم بأن الرأس الذي روجوا أنه لم و لن ينحن يوما.. بدأ يتمايل مع نسمات واشنطن.
نعم، أمريكا دخلت على الخط، وها هي “البلاد اللي ما ترضخش” تكتشف أن كلمة “لا” لا تصلح عندما تكون صادرة من بلد يبيع الغاز في برميل، ويشتري المواقف في صك ديبلوماسي.
الجنرالات الذين كانوا ينامون على وسادة من الشعارات ويغطون بلحاف “حق تقرير المصير”، استيقظوا فجأة على صفعة دبلوماسية جعلتهم يكتشفون أن “البوليزاريو” لم تعد ورقة رابحة، بل عبئا سياسيا يكلف أكثر مما يفيد.
أمريكا لم ترسل صواريخ ولا حاملات طائرات، أرسلت فقط “اتصالا دافئا” وبعض التلميحات الاقتصادية و السياسية و الأمنية، فانقلبت الموازين.
الذين كانوا بالأمس يتبجحون بأنهم لا يملى عليهم شيء، صاروا اليوم يتناقشون حول كيف و متى و بأي صيغة “محترمة” يمكنهم الاعتراف بمغربية الصحراء دون أن يبدو المشهد كاستسلام رسمي.
الإعلام الرسمي الجزائري يحاول ترقيع الموقف بعبارات من قبيل “تفاهم استراتيجي”، و“مقاربة إقليمية شاملة”، لكن الحقيقة واضحة مثل شمس حاسي مسعود: “البلاد اللي كانت تتفاخر بأنها لا تحني الرأس… أصبحت تبحث عن وضعية مريحة للركوع”.
الساخرون في مواقع التواصل الاجتماعي يسمونها اليوم “بلاد الغاز.. حين انطفأ الغاز”، لأن كل نفس سياسي صار مربوطا بأنبوب صادرات نحو أوروبا، وكل قرار سيادي يمر عبر فواتير الطاقة وحسابات البيت الأبيض.
وهكذا، بعد نصف قرن من دعم “القضية” التي لم تكبر يوما، يبدو أن الجزائر، عن طيب خاطر أو تحت ضغط الوقائع، ستضطر رغم “نيفها” إلى توديع “الرفاق” في تندوف، وتكتشف أن العالم تغير، وأن “القوة الضاربة” قد ضُربت فعلا، ولكن بقبضة “مول المقص” التي لطفت حدتها نعومة العم سام.