تطوان: إختلالات تحاصر نشاط مافيا المقالع ب”الزينات”
هبة بريس يسير الإيحيائي
يبدو من خلال التحقيق المستفيض الذي أنجزه موقع “هبة بريس” لعدة شهور حول المقالع المتواجدة فوق تراب إقليم تطوان أنها بعيدة كل البعد عن شروط السلامة البيئية والصحية التي يفترض أن تكون هاجسا رئيسيا لدى السلطات تجاه الساكنة المجاورة، ناهيك عن شرف الزيارات الملكية التي تحظى بها مدينة الحمامة البيضاء من طرف الملك محمد السادس والإهتمام الخاص الذي يوليه بها منذ ربع قرن.
فبمجرد الإطلاع على صورة الساتل عبر تطبيق “غوغل ماب” يتبين لمتتبعي الشأن الجهوي والوطني ما أصبحت عليه الوضعية الطبيعية والجغرافية في منطقة “الزينات” التي تبعد بحوالي 20 كلمترا عن مركز المدينة ، فتدمير وتدهور النظم البيئية والموائل وأضرار البنيات التحتية للطرق أصبح هو السمة الأبرز ومربط الفرس جراء الإستغلال الجائر والعشوائي للمقالع الستة المترامية على أطراف الطريق الوطنية رقم 2 .
فلا يخفى على أي أحد أن هذه المقالع لها تأثيرات ملموسة على المديين القصير والبعيد تدركهما السلطات جيدا رغم أنها قامت بالترخيص وتسليم وثائق الإستغلال قبل فترة تزويد المنطقة بالتيار الكهربائي ، فقد نسلم أن الأمر كان قانونيا منذ سنوات لعدم وجود أعمدة التيار الكهربائي بأماكن مجاورة للمقالع ، لكن الواقع اليوم أصبح معاكسا لما مضى ويستوجب إجراءات إحترازية كثيرة حفاظا على الحياة والإستقرار الإجتماعي الذي يعد أولوية قصوى لدى كل الحكومات المتعاقبة.
ومن بين الإجراءات التي يجب إعتمادها اليوم قبل أن يقع الفأس في الرأس هو سحب تراخيص إستخدام المتفجرات لقرب أماكن الإستغلال والتفجير عن التيار الكهربائي، فقد أثبتث الدراسات العلمية أن قوة الانفجار المستخدم في مثل هذه المقالع يؤثر على المسار العادي للتيار الكهربائي ويجعله يسير في إتجاه عكسي مما قد يتسبب في كوارث لا تحمد عقباها، خاصة على السدود المجاورة التي ستتأثر لا محالة من شدة الإنفجارات وقوتها الضخمة، إذ لا يستبعد أن تحدث شقوقا في الجدران الإسمنتية المسلحة ناهيك عن الدوران العكسي للتيار الكهربائي الذي بدوره سيضح المياه في السد (سد الشريف الإدريسي) ويعرض حياة الناس للخطر علما بأن الدولة رصدت ميزانية ضخمة بالملايير لإنجاز مثل هذه المشاريع الحيوية الكبرى.
وكي نغوص أكثر في هذا الملف الشائك لا بد أن نشير إلى أن ذات المقالع هي لاستخراج الرمال وليس الأحجار ، فقد يتسائل القارئ عن سبب إستعمال المتفجرات في إستخراج الرمال ؟ بكل بساطة فإن مافيا المقالع دائما ما ترخص مقالع الرمال على أساس أنها مقالع أحجار لإعتبار واحد ألا وهو أن سعر الأحجار للمتر الواحد الذي تستخلصه وزارة الداخلية من أرباب المقالع لا يتجاوز (9 دراهم)، في حين تستخلص في مقالع الرمال ( 20 درهم) ، وهذه العملية تدخل في إطار التمويه على السلطات كما يعلم الجميع، فمقالع “الزينات” كلها عبارة عن كتل رملية تشبه الجبال فلا حاجة لهؤلاء المستغلين في إستخدام المتفجرات ما دام الأمر يقتصر على إستخراج الرمال.
فهنا يظهر الربح الفاحش لمافيا المقالع وتورطهم في عمليات التمويه باستعمال المتفجرات حتى تظن السلطات أن إستخدامها ضروري لنسف الجبال وفي حقيقة الأمر هي كتل رملية كما سبق القول.
إن الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد كان واضحا وضوح الشمس ولا يحتمل التأويلات الفارغة التي قد تتبجح بها مافيا المقالع ، ثم أن ذات الخطاب الملكي السامي الأخير رسالة واضحة إلى جميع السلطات المتداخلة في ملفات المقالع بضرورة القطع مع الماضي وتصحيح هذه الإختلالات وتأثيرها على الماء الصالح للشرب ، فكيف يعقل أن تبقى هذه المقالع وهي التي تمتد أضرارها على نحو غير محدود لتلوث السدود والأودية وتغتصب الطبيعة بشكل فاضح، سيما إذا علمنا أن المتفجرات تحتوي على مادة “الأمنيوم” القاتل والمسرطن ، ثم أين دور وزارة الطاقة والمعادن التي رخصت إستخدام المتفجرات بعد عملية الربط الكهربائي التي عرفها العالم القروي في إطار مبادرات تنمية العالم القروي التي قادها صاحب الجلالة محمد السادس مباشرة بعد توليه مقاليد الحكم في المغرب؟.
بناء على هذه المعطيات الدقيقة والحصرية التي تعتبر إستثناء في مدينة تطوان فقط ، لا بد أن تتدخل وزارة الداخلية لمراقبة ما يجري داخل هذه الدويلات الصغيرة التي يمنع على أي كان أن يدخل عالمها لما فيها من خروقات وسرقات تستنزف مقدرات الدولة لفائدة أشخاص معروفين على مستوى المدينة، كما نؤكد عودتنا لهذا الملف بالخصوص في تحقيقنا القادم الذي سيتطرق إلى قانونية مقالع “الجير” بمنطقة “أمطيل” وتسليط الضو على مدى قانونية نشاطاتها .