هبة بريس
بعد عقد كامل من التحقيقات المعمقة، يوشك القضاء الإسباني على إسدال الستار على واحدة من أكبر فضائح الفساد الدولي التي كشفت المستور عن مشاريع حيوية في الجزائر تحولت إلى أوكار للنهب والعمولات.
أحكام ثقيلة مرتقبة ضد نائبين برلمانيين إسبانيين
النيابة العامة الإسبانية طالبت بأحكام ثقيلة تصل إلى 18 سنة سجناً في حق نائبين سابقين عن الحزب الشعبي، بيدرو غوميز دي لاسيرنا وغوستافو دي أريستيغي، بتهم الرشوة وتبييض الأموال.
القضية، التي انفجرت سنة 2015، سرعان ما تحولت إلى ملف دولي ضخم مدعوم بمئات الوثائق والمراسلات الإلكترونية، كشفت شبكة فساد منظمة سهّلت لشركات إسبانية انتزاع صفقات بمليارات الدراهم، تجاوزت قيمتها 480 مليون يورو. المسؤولان السياسيان أسسا واجهة استشارية تدعى “فولتار لاسن”، ولعبت دور الوسيط المظلم لتمرير عقود ضخمة لشركات كبرى مثل “إليكنور”، مقابل عمولات سرية.
المشاريع التي كان يُفترض أن ترفع من مستوى التنمية في الجزائر – من محطة تحلية مياه سوق الثلاثاء بتلمسان إلى ترامواي ورڤلة – تحولت إلى مجرد غطاء لتصريف رشاوى وتهريب أموال عبر شركات وهمية موزعة بين سويسرا وهولندا ودبي وجزر فيرجن البريطانية.
وأماطت تحقيقات القضاء الإسباني اللثام عن شبكة متشعبة تضم أسماء جزائرية نافذة، من بينها المدير العام السابق للطاقة عبد العزيز ناتوري، ورئيس مشروع الترامواي إسماعيل قريش، وحتى مترجم سابق في رئاسة الجمهورية يدعى زين حشيشي، وجميعهم متورطون في صفقات مشبوهة واقتناء عقارات فاخرة بأموال منهوبة من الشعب الجزائري.
فضائح تهدر ثروات الجزائريين
ولم تقف الفضيحة عند حدود مدريد، إذ توسعت التحقيقات عبر إنابات قضائية دولية طالت الجزائر وأوروبا والخليج، فيما بقيت السلطات الجزائرية صامتة، وكأن الأمر لا يعنيها. لا متابعة قضائية ولا مساءلة، رغم الأدلة الدامغة التي تكشفها المحاكم الإسبانية تباعاً.
ويعكس هذا الصمت المريب تواطؤاً واضحاً ويفضح نظاماً جعل من المشاريع التنموية وسيلة لإثراء شبكات الفساد بدل خدمة المواطن.
ولم يعفُ القضاء الإسباني الشركات العملاقة من المسؤولية، إذ طالبها بدفع غرامات قد تتجاوز 36 مليون يورو بسبب “ثغرات جسيمة” في أنظمة المراقبة الداخلية، كما تابع خمسة مديرين أجانب بتهم التزوير وتبييض الأموال.
هذه القضية لم تعد مجرد فضيحة مالية، بل صارت مرآة عاكسة لهشاشة أنظمة الرقابة والشفافية في الجزائر، وتطرح سؤالاً يفرض نفسه: إلى متى سيظل الصمت الرسمي هو الرد الوحيد على فضائح تهدر ثروات الجزائريين وتفضح عجز نظام الجنرالات