هبة بريس – شفيق عنوري
طالب الباحث الأمريكي مايكل روبين، إدارة البيت الأبيض بـ”عدم تجاهل” ما أسماه بـ”معركة المساجد” في إفريقيا، والعمل على دعم المغرب الذي يحرص على نشر “الاعتدال” في القارة.
وقال روبين في تقرير نشرته مجلة “Washington Examiner” الأسبوعية الأمريكية، إن المغرب دشن في أبريل 2024، مسجد محمد السادس في أبيدجان، أكبر مدينة في كوت ديفوار، ليصبح معلمة دينية ومعمارية بارزة تطل على بحيرة “إيبريي” التي تفصل أجزاء واسعة من المدينة عن المحيط الأطلسي. د
وأوضح أن الحضور الديني المغربي في كوت ديفوار، يكتسي “أهمية خاصة بالنظر إلى أن البلدين يتبنيان المذهب المالكي المعتدل، أحد المذاهب الأربعة في الفقه السني”، متابعاً أن هذا المسجد ليس أول بصمة دينية للمغرب في البلد الذي بات يملك اليوم أعلى دخل فردي في غرب إفريقيا، بما يزيد ثلاث مرات عن نظيره في نيجيريا.
وأشار إلى أنه قبل نحو عقد من الزمن، وفي سياق صعود تنظيم “داعش”، زار (مايكل روبين) مركزاً في الرباط كان يؤطر فيه علماء مغاربة طلبة وأئمة من مختلف دول غرب إفريقيا، من كوت ديفوار إلى موريتانيا، لتعزيز نقاء المذهب المالكي في مواجهة محاولات خارجية لتشويهه أو استقطاب الشباب المسلم.
ونبه الباحث إلى أن القوى الساعية للتأثير على المسلمين في المنطقة عديدة، بعضها عبر الإنترنت، وأخرى داخل المساجد نفسها، مسترسلاً أنه “في أواخر القرن العشرين، كان الدبلوماسيون الأمريكيون على دراية بمحاولات السعودية نشر تفسيرات متشددة عبر بناء المساجد وتمويل المدارس الدينية والأئمة”.
وبعد هجمات 11 شتنبر 2001، يوضح التقرير “شبّه المؤرخ الأمريكي برنارد لويس الدور السعودي في نشر التطرف الإسلامي بما قد يحدث لو استولى تنظيم عنصري مثل “كو كلوكس كلان” على ولاية تكساس واستخدم عائدات النفط لنشر فكره المتطرف في العالم المسيحي”.
وذكر الباحث الأمريكي أنه خلال السنوات الأخيرة، زار عدداً من دول المنطقة مثل بوركينا فاسو وكوت ديفوار وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية ومالي وغيرها، ولاحظ أن صراعاً على العقول والقلوب يجري هناك لاستمالة المسلمين، سواء كانوا أغلبية أو أقلية.
هذا، ونبه روبين إلى أن “تركيا على سبيل المثال موّلت المسجد الوطني في غانا، الذي يفتخر موقعه الرسمي بأنه يهيمن على أفق العاصمة أكرا، رغم أن غانا بلد يغلب عليه الطابع المسيحي”، مضيفاً: “أما السعودية فما تزال، حسب تقارير، تمول بناء مساجد صغيرة بمحاذاة محطات الوقود والاستراحات على الطرق”.
وواصل المصدر نفسه أنه “في كوت ديفوار، يقف مسجد المغرب الجديد كجزء من هذا التنافس، في حين أن تركيا شيّدت مركزاً ثقافياً إسلامياً، واستمرت الجمعيات الخيرية السعودية في بناء مساجد صغيرة لاستهداف فئة سائقي الشاحنات”.
وأفاد التقرير بأن تركيا تسعى إلى تكريس نفوذها عبر مبادرة جديدة في منطقة الساحل، بهدف التحول إلى القوة الإسلامية الأكثر تأثيراً هناك، متابعاً أن أنقرة ضغطت على حكومات محلية لإغلاق مدارس شبكة فتح الله غولن، وتولي إدارتها عبر “معاهد يونس إمره”، وتقول إنها خرّجت ما يقارب 16 ألف طالب من 160 دولة، كثير منهم يطلب مساعدتها للتحول إلى الإسلام.
وأوضح التقرير أنه “عادة ما يقيس الدبلوماسيون النفوذ من خلال المساعدات والعلاقات الثنائية، بينما يتجنب المسؤولون الأمريكيون التطرق للشأن الديني بسبب الفصل التقليدي بين الكنيسة والدولة في الولايات المتحدة”، متابعاً “غير أن الصراع المتصاعد بين خصوم وحلفاء واشنطن على القارة الإفريقية، ثاني أكثر قارات العالم سكاناً، يفرض على الولايات المتحدة ألا تبقى على الهامش”.
واعتبر التقرير أن “على الدبلوماسيين وأجهزة الاستخبارات الأمريكية تقييم النفوذ الديني وقياس صعوده أو تراجعه”، ليخلص في الختام إلى أنه “عندما يهيمن المغرب على المشهد الديني، يسود الاعتدال، أما حين تتولى تركيا أو إيران زمام الأمور، فإن النتيجة غالباً ما تكون انتشار التطرف والإرهاب”.