هبة بريس – شفيق عنوري
اعتبر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في تقرير حديث، أن إنهاء بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية “مينورسو” حاليا سيكون “خطأ”، غير أنه أكد أن الوقت بات مواتيا لتطوير مهامها، بهدف تجاوز حالة الجمود.
وقال التقرير الذي أعدته كل من سهير مديني؛ باحثة زائرة في معهد واشنطن، من وزارة الخارجية الفرنسية، وسابينا هينبيرغ؛ باحثة أولى ومديرة برنامج البحوث الشابة في المعهد، إن إنهاء بعثة “مينورسو” في الوقت الراهن، أمر مبكر للغاية وسيكون “خطأ” نظرا للدور العملي المهم الذي تقوم به في الحفاظ على وقف إطلاق النار.
وأضاف التقرير المعنون بـ”حان الوقت لإنهاء بعثة المينورسو؟ ليس بعد”، أن التصويت السنوي على تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة “مينورسو” يأتي في سياق تخفيضات واسعة لقوات حفظ السلام، وتغيرات سياسية كبيرة في نزاع الصحراء، والذكرى الـ 50 للمسيرة الخضراء.
وتابع المصدر أن هذه الظروف مجتمعة توحي للإدارة الأمريكية الحالية، الحاملة لملف “مينورسو” في مجلس الأمن، بأن الوقت قد حان لإنهاء ولايتها، موضحاً أنه “يجب إدارة هذا الأمر بحذر وبشكل تدريجي لضمان الحفاظ على الفوائد العملية للبعثة على الأرض أثناء الانتقال، وللمساعدة في كسب موافقة جميع الأطراف المعنية”.
الاستفتاء غير قابل للتطبيق ومجلس الأمن تجاوزه
وسلط التقرير الضوء على تغير مهمة بعثة “المينورسو” التي تأسست في سنة 1991 من أجل الإشراف على تنظيم استفتاء لتقرير المصير، قبل أن تؤدي “الخلافات المستعصية حول أهلية التصويت إلى إلغاء هذا الاستفتاء، وأصبح الآن غير قابل للتطبيق سياسياً ولم يُذكر في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة منذ عقدين”.
ونبه التقرير إلى أن دور “مينورسو” تحول تدريجيا نحو “مراقبة وقف إطلاق النار”، وهو دور أثبت أهميته خصوصًا بعد اندلاع الاشتباكات بين الجيش المغربي و”البوليساريو” في 2020، متابعاً أنه رغم ذلك، شكك النقاد في جدوى تجديد ولاية البعثة، معتبرين أن وجودها أصبح رمزا لـ”الركود الدبلوماسي وتوسيع مهام البعثة”.
وذكّر المصدر بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اعترف في دجنبر 202 بسيادة المغرب على صحرائه، مما “دفع عددًا من الدول الأخرى لمتابعة هذا الموقف”، مبرزاً في السياق نفسه، تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يوليو 2024، على أن مستقبل الصحراء يكمن ضمن سيادة المغرب.
الظروف تغيرت لصالح المغرب
منذ ذلك الحين، يقول التقرير “تغيرت الظروف لصالح المغرب بشكل أكبر”، حيث كرر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في أبريل 2025 اعتراف بلاده بسيادة المغرب خلال زيارة وزير الخارجية ناصر بوريطة لواشنطن، كما أيدت بريطانيا خطة الحكم الذاتي، ووصفتها بأنها الأساس الأكثر مصداقية وواقعية وعمليًا لحل النزاع.
وأشار التقرير إلى أن تصويت هذا العام يصادق جهود إدارة ترامب لسحب أكثر من 800 مليون دولار من الأموال المخصصة لمهمات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ولم تُستثن “مينورسو” من الأزمة المالية الناتجة، رغم صغر حجمها مقارنة ببعثة “اليونيفيل” في لبنان.
وواصل التقرير أن أفراد البعثة يواجهون “تحديات ميزانية دفعتهم لتقليص عمليات التوظيف”، مضيفاً أن المسؤولين الأمريكيين يسيرون في اتجاه مطالبة بعثة “مينورسو” بإجراء “إصلاح شامل، وربما حتى معارضة التجديد كليًا”.
الموقف المغربي والجزائري من “مينورسو”
وأبرز التقرير أنه على الرغم من أن النزاع بين “البوليساريو” والمغرب ظل منخفض المستوى في السنوات الأخيرة، تلعب “مينورسو” دورًا مهمًا في منع تصاعد العنف”، لذلك “فإن سحب قوات حفظ السلام فجأة قد يزيد من خطر التصعيد غير المقصود”، حسب المصدر.
ولهذا السبب، يوضح المصدر نفسه، “ولمصلحة المغرب في الحفاظ على الوضع القائم، لم يطالب المغرب بإنهاء البعثة، بل تعاون معها بشكل بنّاء”، متابعاً أنه “في ضوء ذلك، يزداد الاهتمام مؤخرًا بإمكانية تحويل مينورسو إلى بعثة سياسية، مماثلة لدور بعثة الأمم المتحدة في العراق”.
وذلك، يقول التقرير من أجل “تسهيل المفاوضات نحو حكم ذاتي للصحراء ضمن المغرب”، متابعاً أن التحركات الدبلوماسية المغربية الأخيرة مع روسيا والصين تشير إلى سعي الرباط لـ”الحصول على دعم كامل من مجلس الأمن لكلا الهدفين، رغم أن احتمالية تصويت موسكو وبكين بنعم على اقتراح الحكم الذاتي المغربي تبدو بعيدة نظرًا لعلاقاتهما الوثيقة مع الجزائر”.
الجزائر وموقفها
يوضح التقرير أنه رغم معارضة الجزائر لموقف المغرب ودعمها لـ”البوليساريو”، فإنها لا ترغب في حدوث فراغ أو تصعيد مسلح في المنطقة، منبهاً إلى أنه “خلال تصويت التجديد السابق لمينورسو في 2024، حاولت الجزائر فرض تعديلات تعكس موقفها، لكنها لم تلقَ تجاوبًا”.
وبسبب هذا الأمر، يقول التقرير الأمريكي نفسه، “امتنع ممثلها عن التصويت في النهاية، مما أظهر ضعف الدعم لموقفها”، مسترسلاً أنه “قبل تصويت الشهر المقبل، تدرك الجزائر أنها في موقف صعب وقد تلجأ إلى مقاربة أكثر واقعية”.
نحو مقاربة واقعية مدروسة
وخلص التقرير إلى أنه على الرغم من أن “مينورسو” تجاوزت مهمتها الأصلية المرتبطة بالاستفتاء، إلا أنها “تظل مفيدة في مراقبة وقف إطلاق النار والحفاظ على الهدوء”، مؤكداً أن الوقت مناسب الآن لـ”وضع أسس لتجاوز الوضع الراهن مع الاستمرار في جني الفوائد العملية للبعثة”.
ولتحقيق هذا الأمر، اقترح التقرير على الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها “تعيين مسؤول أمريكي بارز لمتابعة الملف لضمان تحقيق تقدم ملموس في مسألة مينورسو والصحراء”، و”تشجيع المغرب على تفصيل خطة الحكم الذاتي استعدادًا للحصول على دعم محتمل من مجلس الأمن”.
كما اقترح التقرير “دمج الجزائر بشكل كامل في المناقشات لضمان قبول البوليساريو بالحل السلمي”، إلى جانب “تعزيز التعاون الأمريكي-الفرنسي بشأن مينورسو والصحراء” من أجل ضمان “توافق المواقف وتحقيق تقدم في المنطقة”.