بعد عزل عامل إنزكان آيت ملول.. أين المحاسبة؟

حجم الخط:

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

مرت أسابيع على قرار وزارة الداخلية القاضي بعزل عامل عمالة إنزكان آيت ملول، إسماعيل أبو الحقوق، دون أن يصدر أي توضيح رسمي بشأن ملابسات القرار أو المآل القضائي للتحقيقات الجارية، ما يثير تساؤلات حول جدية الدولة في تفعيل مبدأ دستوري محوري” ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

– قرار مفاجئ بلا تفسير

ففي خطوة مفاجئة، أعلنت وزارة الداخلية، قبل أسابيع، توقيف العامل إسماعيل أبو الحقوق عن مزاولة مهامه، مع إلحاقه بالمصالح المركزية للوزارة دون مهمة، القرار جاء عقب زيارة لجنة تفتيش ثلاثية إلى مقر العمالة، في إطار تحقيقات وصفت بـ”الدقيقة” همّت ملفات عقارية واستثمارية.

غير أن ما أعقب القرار كان صمتًا مريبا، فلا بلاغ رسمي صدر عن الداخلية يوضح أسباب العزل، ولا توضيحات قانونية أو مؤسسية تكشف للرأي العام مدى جسامة التجاوزات المفترضة، ولا ما إذا كان الأمر يتعلق بإجراء تأديبي داخلي أم مقدمة لإحالة قضائية.

– ملف عقاري مثير للجدل

تفيد معطيات متطابقة أن اللجنة رصدت تجاوزات خطيرة في تدبير العقار العمومي، أبرزها صفقة مشبوهة لعقار تتجاوز مساحته 4600 متر مربع، كان مخصصًا لإنشاء مؤسسة تعليمية، قبل أن يتم تحويله إلى مشروع تجاري خاص في ظروف غامضة.

وتُشير المعلومات إلى أن العقار بيع بثمن زهيد لشخصيات مقربة من العامل، قبل أن يُعاد بيعه لاحقًا بثمن مضاعف لشركة حديثة النشأة، استفادت من تعديل في تصميم التهيئة منحها ترخيصًا استثنائيًا ببناء طوابق إضافية، في خرق واضح للمساطر المعمول بها.

– غياب المحاسبة.. إخلال بالدستور؟

يطرح هذا الملف تساؤلات حقيقية حول مدى احترام الدولة للمبدأ الدستوري القاضي بـربط المسؤولية بالمحاسبة، المنصوص عليه في الفصل الأول من دستور 2011، والذي يعتبر من ركائز الحكامة الجيدة.

فإذا كان العامل قد تورّط فعلًا في تضارب مصالح واستغلال للنفوذ، فإن العزل الإداري لا يكفي، بل يجب أن تتبعه مساءلة قضائية شفافة. أما إذا لم تكن هناك مخالفات جسيمة، فالصمت الرسمي يظل غير مبرر، ويُسيء إلى صورة الإدارة ويضعف الثقة في المؤسسات.

– ثقافة الإفلات من العقاب؟

عدم تقديم المسؤول المعزول إلى القضاء، أو حتى عدم إصدار توضيح رسمي، يكرس ما يسميه البعض بـ”ثقافة الإفلات من العقاب”، ويُفقد إجراءات العزل مصداقيتها، ويحولها إلى مجرد ترقيع إداري بدل أن تكون خطوات ضمن سياسة واضحة لمحاربة الفساد.

كما يفتح الباب أمام تأويلات كثيرة، ويخلق جوًّا من الضبابية والريبة في علاقة المواطنين بالإدارة الترابية، ويعمّق الفجوة بين النص الدستوري وتطبيقه العملي.

– ما المطلوب؟

لم يعد كافيًا الاكتفاء بالعزل أو الإعفاء. ما يطالب به الرأي العام، ويفرضه منطق الحكامة والمساءلة، هو نشر بلاغ رسمي يوضح للرأي العام أسباب العزل، وفتح تحقيق قضائي في شبهات الفساد وتضارب المصالح،مع نشر نتائج تحقيقات المفتشية العامة للداخلية بشفافية.

محاسبة كل المتورطين، مهما كانت مواقعهم، لضمان عدم تكرار مثل هذه الوقائع.

– لا محاسبة بلا شفافية

قضية عزل عامل إنزكان آيت ملول تكشف مجددًا هشاشة ربط المسؤولية بالمحاسبة في الممارسة الواقعية. وإذا لم تُتبع هذه الخطوة بمحاسبة قانونية، فإنها ستظل مجرد إجراء إداري في الظل، لا يرقى إلى مستوى انتظارات المواطن، ولا إلى سقف ما يفرضه دستور المملكة.