هبة بريس – وجدة
ناقش مشاركون في ندوة علمية نُظمت، امس الأربعاء بوجدة، ضمن فعاليات الدورة الخامسة للمعرض المغاربي للكتاب “آداب مغاربية”، التعدد الإبداعي في جهة الشرق بصفتها إحدى الروافد الأساسية في الإبداع المغربي المعاصر، وكذا أثرها عربيا ودوليا.
وركز المشاركون من كتاب وشعراء، خلال هذه الندوة، بعنوان “الابداع يأتي من جهة الشرق”، على مجموعة من المقترحات الرامية إلى تجديد الابداع بجهة الشرق، وكذا المساهمة في تحقيق طفرة نوعية في هذا المجال.
وفي هذا الصدد، تطرق الشاعر والناقد، يحيى عمارة، لمسألة الاعتراف بالإبداع المحلي وما قدمه مبدعو الشرق من إسهامات نوعية في مختلف المجالات الثقافية والفنية، مبرزا أن التاريخ المغربي، القديم والمعاصر، يشهد على عطاء هذه الجهة، ويستحق مبدعوها أن يُحتفى بهم وطنيا ودوليا.
وأكد على ضرورة تجديد الإبداع بالشرق، من خلال انفتاح هذا الإبداع على الإنسانية والعالمية، وتجاوز التصنيفات التقليدية التي تحصر الإبداع في أجيال محددة.
كما شدد على ضرورة التفكير الجدي في الاستثمار الثقافي من خلال إنشاء دور نشر دولية في الجهة تكون قادرة على احتضان الإبداع المحلي وترويجه عالميا، بالإضافة إلى خلق ورشات للكتابة والنقد التشكيلي لتأطير الزخم الفني التي تزخر بها الجهة.
من جهته، قال الباحث والناقد المسرحي، مصطفى رمضاني، إن الإبداع، وإن كان ظاهرة إنسانية عامة، إلا أن جهة الشرق تبرز بوضوح كمركز إنتاجي متميز في مجالات الشعر، المسرح، النقد، والسرد.
وأبرز مجموعة من الإحصائيات التي تؤكد هذا التميز، مشيرا إلى أن مبدعي الجهة الشرقية حصدوا ما يقارب 64 جائزة وطنية ودولية وعربية، أي ما يفوق 50 في المائة من مجموع الجوائز الأدبية المغربية؛ ما يدل على حجم الإنتاج والمردودية، بعيدا عن الأحكام المعيارية المرتبطة بالذوق الشخصي.
أما على مستوى الحضور النقدي، فأكد على أن الإبداع الشرقي حاضر بقوة في الخطابات النقدية العربية والدولية، ويتجلى ذلك في الترجمات المتعددة إلى لغات عالمية كالإسبانية، الفرنسية، الإنجليزية، الألمانية، وحتى اليابانية؛ ما يجسد أن الإبداع الشرقي لا يقتصر على المحلي، بل يعانق العالمية.
وفي مجال المسرح، أشار رمضاني إلى أن المعطيات تفيد بأن نصف التنظيرات المسرحية المغربية تنطلق من الشرق، خاصة التنظير الاحتفالي والنقدي والشهاداتي؛ مما يعزز فكرة أن الجهة ليست فقط منتجة، بل مساهمة في بناء التصورات الفنية والنقدية.
من جانبه، أكد الشاعر والكاتب المغربي، سامح درويش، أن الإبداع لا ينحصر في جهة دون أخرى باعتباره ظاهرة إنسانية تنبع حيثما وجد الإنسان، مشيرا إلى أن الإبداع في جهة الشرق يتميز بخصوصيات فنية ونقدية تجعله رافدا مهما من روافد الإبداع المغربي، وأنه عندما يتم الحديث عن الإبداع الأدبي تحديدا، ينبغي مراعاة تنوعه اللغوي والثقافي، الذي يتجلى في اللغة العربية الفصحى، والأمازيغية، وحتى في اللهجة العامية المحلية، التي يمكن أن تُوظف كوسيلة لتسويق الهوية الثقافية للجهة.
وأبرز أنه رغم وجود بعض النواقص أو التحديات في هذا المنجز، فإن النقد الأدبي مدعو إلى الالتفات إليه، لا من باب التقييم فقط، بل من أجل تحريره من قيوده، وربطه بالأفق الإنساني والإبداع الكوني”، مشيرا إلى أن التحديث والانفتاح على الحداثة ضرورة، خاصة وأن جزءا كبيرا من هذا الإبداع ما زال يرزح تحت صبغة محافظة تحد من انطلاقه.
وفرض المعرض المغاربي للكتاب “آداب مغاربية”، منذ انطلاقه نفسه كموعد أدبي وفكري لا محيد عنه، يحمل نفسا متوسطيا ومغاربيا، حيث تتقاطع الأصوات وتتلاقى الأفكار وتنفتح المخيلات.
ويضع المعرض (7 – 12 أكتوبر)، باختياره هذه السنة لموضوع “أن نقيم في العالم ونكتبه”، الأدب في صلب الأسئلة الراهنة، لأن الإقامة في العالم اليوم تعني مواجهة تحولات كبرى مناخية، وسياسية، وتكنولوجية وهوياتية، أما كتابته فتمثل محاولة للإجابة عنها دون التخلي عن جماليات اللغة وعمق الفكر وتعدد الرؤى.