هبة بريس- الرباط
فَنَّد الدكتور محمد بادير، الخبير الدولي في علوم المحيطات والصيد البحري وتربية الأحياء المائية، بشكل قاطع ما اعتبره “مزاعم مضللة” روَّج لها أحد المواقع الصحفية بشأن انهيار وشيك لقطاع الصيد البحري بالمغرب، مؤكداً أن هذه الادعاءات تستند إلى معطيات غير دقيقة واستنتاجات فضفاضة تحركها اعتبارات سياسية وانتخابية ضيقة، بعيداً عن الموضوعية والحياد الواجبين في أي دراسة علمية جادة.
وأبرز الخبير أن القطاع لا يواجه الانهيار كما زُعِم، بل يتميز بصرامة في الإدارة العلمية ويُعد ركيزة استراتيجية للاقتصاد الوطني مع آفاق مستقبلية واعدة.
وأوضح الدكتور بادير أن الاعتراف الأمريكي الأخير بمطابقة المصايد المغربية للمعايير الدولية يُعد قفزة نوعية تعكس حجم الجهود المبذولة في مجالات التثمين والجودة والرقابة. وقد توالت الاعترافات الدولية من هيئات كبرى مثل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بالولايات المتحدة، منظمة الأغذية والزراعة، الهيئة الدولية للإيكات، والهيئة الأوروبية لمصايد الأسماك، بما يثبت جاذبية المنتوجات البحرية المغربية ومكانتها القوية في الأسواق العالمية.
وأشار الخبير إلى أن الأسماك السطحية الصغيرة، وفي مقدمتها السردين والماكريل، تمثل 80% من المصطادات الوطنية، مبرزاً حساسيتها الكبيرة للتغيرات المناخية. ودعا في هذا السياق إلى تعزيز تقنيات التجميد السريع الفردي حفاظاً على جودة المنتوجات وامتثالها للمعايير العالمية، مع السعي إلى تعزيز الحضور في أسواق أمريكا الشمالية. كما أشاد بجهود إعادة بناء مخزون الأخطبوط، موصياً باعتماد أواني صيد طينية بديلة للبلاستيكية وزرعها في المناطق البحرية المحمية لدعم عملية التكاثر وتحسين المخزونات، وهو ما شرعت كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري في تنزيله فعلياً.
كما شدّد الدكتور بادير على أن الإجراءات المتخذة في مجال مراقبة المصايد مكنت المغرب من تحقيق تقدم بارز في محاربة الصيد غير القانوني وغير المنظم، ليصنَّف ضمن الدول الرائدة عالمياً في هذا المجال. وقد شمل البرنامج الوطني للمراقبة كافة السواحل المغربية، مع تتبع سفن الصيد عبر الأقمار الصناعية.
وانعكس ذلك في مؤشرات ملموسة، حيث ارتفع الإنتاج السمكي من 1,14 مليون طن سنة 2010 إلى 1,42 مليون طن سنة 2023 بمعدل نمو سنوي متوسط بلغ 1,7%. أما من حيث القيمة، فقد قفز الإنتاج من 6,7 مليارات درهم إلى 15,2 مليار درهم خلال الفترة نفسها بمعدل نمو 6,6% سنوياً، في حين تضاعفت قيمة الصادرات من 13,2 مليار درهم إلى 31 مليار درهم بمعدل نمو سنوي بلغ 6,7%.
وبخصوص التسويق، أكد الخبير أن الجهود التنظيمية أثمرت نتائج واضحة، إذ عملت الوزارة على تعزيز قنوات التوزيع وتثمين المنتجات البحرية، بما يضمن تزويد السوق الوطنية بالأسماك. فاليوم يتوفر المغرب على 70 سوقاً للبيع الأولي بالجملة داخل الموانئ ونقط التفريغ وقرى الصيادين، منها 15 سوقاً من الجيل الجديد، إضافة إلى 10 أسواق للبيع الثاني خارج الموانئ وسوقين جديدين قيد الإنجاز بكل من فاس والناظور.
كما جرى اعتماد الرقمنة في المزاد العلني بـ45 سوقاً لضمان الشفافية، إلى جانب إطلاق برنامج لإنجاز 7 أسواق قرب بالتعاون مع الجماعات المحلية لدعم رواج المنتوجات وتشجيع الاستهلاك الداخلي مع الحفاظ على الجودة.
واختتم الدكتور بادير مداخلته بنبرة تفاؤل، مؤكداً أن قطاع الصيد البحري المغربي يمتلك مقومات استدامة وتطور بفضل كفاءة القيادة الحالية ممثلة في كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري وفريق عملها المؤهل. ودعا في المقابل إلى ترسيخ ثقافة النقد البناء والتحليل العلمي الرصين قبل إصدار أحكام متسرعة أو مسيسة.