افتتاح دورة تشريعية جديدة لن تكون كسابقاتها في البرلمان

حجم الخط:

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في الجمعة الثانية من أكتوبر، كما جرت العادة الدستورية، يفتتح جلالة الملك محمد السادس الدورة التشريعية الجديدة. إلا أن هذه الدورة، بخلاف سابقاتها، تحظى بزخم خاص وتوقعات غير مسبوقة من مختلف شرائح المجتمع المغربي، خصوصًا في ظل سياق سياسي واجتماعي متغير، تعززه مؤشرات على يقظة شعبية جديدة، ومطالب واضحة بتجديد العلاقة بين الدولة والمواطن.

تتوجه أنظار المغاربة إلى قبة البرلمان، حيث يرتقب أن يلقي الملك خطابًا وُصف من طرف متابعين للشأن العام بـ”المفصلي”، نظرًا لما يختزنه من رهانات استراتيجية، وما يرافقه من ترقب شعبي آخذ في التوسع، لاسيما من طرف فئة الشباب، التي عادت بقوة إلى واجهة النقاش العمومي، مطالبة بالإصغاء الجاد والاستجابة الحقيقية لتطلعاتها.

– جيل جديد.. ونبض سياسي مختلف

أحد أبرز ملامح المرحلة الراهنة هو التحول اللافت في سلوك الأجيال الجديدة تجاه السياسة. فقد نلاحظ تفاعلا أكبر مع القضايا العامة، سواء من خلال بيانات شباب “جيل Z”، أو عبر النقاشات الواسعة على المنصات الرقمية، أو من خلال الحضور المتزايد في الوقفات والأنشطة الميدانية.

هذا التحول لا يعكس فقط انخراطا وطنيا جديدا، بل يضع المؤسسات السياسية أمام مسؤولية مضاعفة: الإنصات الفعلي، والتفاعل الجاد، والقدرة على تجديد أدوات العمل ومضامين الخطاب. وهو ما يجعل الخطاب الملكي المنتظر لحظة حاسمة قد تؤسس لزمن الإصغاء والجدية في الإصلاح.

– ملفات كبرى على طاولة الجمعة

من المتوقع أن يتناول خطاب افتتاح الدورة التشريعية محاور استراتيجية تمس صلب التحديات الوطنية الراهنة، وفي مقدمتها القضية الوطنية والوحدة الترابية بعد أن تزامنت الدورة مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، وهو ما يجعل من الخطاب مناسبة لتجديد التأكيد على مركزية قضية الصحراء في الأجندة الوطنية، واستعراض النجاحات الدبلوماسية التي حققها المغرب في هذا الملف. وقد يُدعى البرلمان والأحزاب إلى لعب دور أكثر فاعلية في الدبلوماسية الموازية، خاصة عبر تمثيليات الشباب والبرلمانيين.

هناك كذلك تعزيز السيادة الوطنية والتي قد يدعو الملك بخصوصها إلى تسريع وتيرة تقوية الأمن الطاقي، والغذائي، والمائي، والصحي، إلى جانب الدفع قدمًا بورش الحماية الاجتماعية، كدعامة لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وضمان العدالة الترابية.

هناك محور أساسي هو الدعوة إلى الاستجابة للحراك الشبابي، والتي من المنتظر أن يوجه جلالته دعوة صريحة للحكومة من أجل اتخاذ إجراءات استعجالية وشجاعة في مجالات التعليم والتشغيل والصحة، مع طرح إمكانية إنشاء آليات مؤسساتية دائمة للإصغاء المباشر إلى الشباب، ودمجهم في صياغة السياسات العمومية، بما يعيد الثقة في المؤسسات ويدفع باتجاه مشاركة سياسية أوسع.

هناك كذلك مسألة تحسين نجاعة العمل البرلماني من خلال التركيز هذه المرة ليس فقط على حجم الإنتاج التشريعي، بل على جودته ووقعه الملموس على حياة المواطن، خصوصًا الفئات المتوسطة والهشة. وهو ما قد يُترجم بدعوة البرلمان إلى إعادة النظر في أولوياته التشريعية وتعزيز دوره الرقابي.

– تفعيل المحاسبة ومحاربة الفساد

من المرجح أن يشدد الخطاب على ضرورة تفعيل المقتضيات الدستورية المرتبطة بربط المسؤولية بالمحاسبة، والتفاعل الجاد مع تقارير مؤسسات الحكامة مثل المجلس الأعلى للحسابات وهيئة الوقاية من الرشوة، في إطار من الشفافية والصرامة.

. تخليق الحياة السياسية

لا يُستبعد أن تتضمن مضامين الخطاب الملكي دعوة واضحة للأحزاب السياسية لتجديد نخبها وخطابها، والانفتاح أكثر على الكفاءات الشابة، بما يُعيد الحيوية للمشهد الحزبي، ويؤسس لثقافة سياسية أكثر ارتباطًا بتطلعات الشارع.

– خطاب يرسُم بوصلة المرحلة المقبلة

إن الرهانات الملقاة على خطاب افتتاح الدورة البرلمانية لا تتعلق فقط بإعطاء انطلاقة لسنة تشريعية جديدة، بل بتحديد اتجاه سياسي جديد يُبنى على الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع. فالشباب قالوا كلمتهم، وعبروا عن حضورهم السياسي والاجتماعي بقوة، والكرة اليوم في ملعب المؤسسات التي يُنتظر منها أن تجيب، بخطاب مسؤول، وسياسات جريئة، واستعداد حقيقي لتجديد العقد الاجتماعي.

المغرب اليوم يقف على أعتاب تحول نوعي، والدورة التشريعية المقبلة قد تكون، بالفعل، دورة استثنائية لا تشبه سابقاتها.