هبة بريس – شفيق عنوري
على منصات الخطابات الرسمية، وفي قاعات الاجتماعات والمؤتمرات والقمم الدولية، لا يتوقف قادة الجزائر عن ترديد شعارات حسن الجوار واحترام القانون الدولي، لكن خلف الستار، وجه آخر كشفته السنوات الخمس الماضية: بلد يفتح جبهات صراع دبلوماسية واحدة تلو الأخرى، حتى صار اسمه مقروناً بالتوتر أكثر من الاستقرار.
وإذا كان العالم قد اعتاد على رؤية إسرائيل غارقة في النزاعات مع محيطها وباحثة عن إضعاف جيرانها، فإن الجزائر وجدت لنفسها مكاناً إلى جانبها، بعدما رسمت خريطة من الأزمات مع جيرانها القريبين والبعيدين.
2020.. الشرارة الأولى من “حج” الأفارقة إلى الصحراء ومرورا بالكركرات
البداية كانت من مدن الصحراء المغربية، حين اعتبرت الجزائر افتتاح عدد من الدول لقنصليات هناك استفزازاً مباشراً، وواجهت الخطوات في البداية بالاحتجاج، وكان استدعاء سفير كوت ديفوار أول رد فعل في هذا الصدد، قبل أن تضطر على مضض لقبول هذا الواقع الجديد.
شهورا قليلة بعدها فتحت الجزائر جبهة جديدة غير معلنة مع الإمارات بسبب موقفها في الجارة الشرقية ليبيا ودعمها للجار الغربي المغرب، قبل أن تأتي قضية الكركارات لتضع التوتر في المنطقة على حافة الانفجار. “قصر المرادية” دفع “البوليساريو” إلى إغلاق المعبر قبل أن تتدخل القوات المسلحة الملكية لإعادة الحركة التجارية إلى طبيعتها.
2021.. قطيعة معلنة مع المغرب وصدام مع باريس
عام 2021 شكّل محطة فارقة، إذ أعلنت الجزائر فيه عن قطع علاقاتها مع المغرب بشكل أحادي، وأغلقت مجالها الجوي في وجه الطائرات المغربية، قبل أن ترتكب واحداً من أكبر الأخطاء الدبلوماسية حسب مراقبين، حين قررت إغلاق خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي، كخطوة انتقامية ضد المغرب.
الأزمة لم تتوقف عند الرباط، فقد فجرت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول “غياب الأمة الجزائرية قبل الاستعمار”، وأن جيش بلاده حين وصل إلى الجزائر وجدها خاضعة لاحتلال آخر، غضب قصر المرادية، فاستُدعي السفير الفرنسي، وتعرضت العلاقات لشرخ عميق.
2022.. مدريد في عين العاصفة
إغلاق أنبوب الغاز الذي كان يستهدف الضغط على المغرب، خلف نتائج عكسية، وجعل إسبانيا التي كانت تراهن على الغاز الجزائري، تقلّص من إيراداتها وتلجأ إلى بدائل أخرى، ما منحها حرية أكبر في اتخاذ مواقفها الاستراتيجية، وهو ما حدث بالفعل في مارس 2022، حين أعلنت حكومة مدريد دعمها لمقترح الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء.
الجزائر لم تستسغ الأمر وردت على موقف إسبانيا الجديد بقطع العلاقات وتعليق معاهدة الصداقة ووقف التجارة. وتزامناً مع ذلك، جددت اتهاماتها للرباط، خصوصا بعد نشر شبكة “قصص ممنوعة” الفرنسية، لتحقيقها المزعوم الذي يدعي أن هواتف مسؤولين في إسبانيا، فرنسا، والجزائر وبلدان أخرى، تعرضت لتجسس مصدره المغرب.
2023.. أزمات في الساحل وتوتر لا يهدأ مع فرنسا
مع بداية 2023، تحولت بوصلة أزمات الجزائر إلى جيرانها في الجنوب؛ مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث اتُّهمت الجزائر صراحة بمحاولة زعزعة استقرار المنطقة عبر دعم حركات انفصالية.
أما فرنسا، فرغم محاولات التهدئة، ظل ملفا الذاكرة والهجرة يؤججان الخلاف بين الطرفين، وسط انتقادات متزايدة لأسلوب الجزائر في التعامل مع شركائها.
2024.. ليبيا والساحل في مرمى الاتهامات
لم تمض سوى أشهر قليلة حتى ظهر التوتر من جديد، هذه المرة مع ليبيا، بسبب دعم الجزائر لحكومة طرابلس ضد حفتر. في المقابل، اتسعت رقعة الخلاف مع دول الساحل، وخاصة مالي التي اتهمت الجزائر علناً برعاية الحركات الانفصالية. ومع نهاية العام، عادت الأزمة مع الإمارات بسبب دعمها لدول الجوار لتفرض نفسها على المشهد.
2025.. الأزمة تبلغ ذروتها مع مالي
هذا العام شهد وصول أزمة الجزائر مع مالي إلى ذروتها بعد قيام الجيش بإسقاط طائرة مسيرة تابعة لجيش باماكو، وهو ما اعتبرته الأخيرة “اعتداءً صارخاً”، لترد عليه سريعاً بقرار مشترك مع البلدين الآخرين في الساحل: النيجر وبوركينا فاسو، عبر سحب السفراء من الجزائر، واتهامها بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
الجزائر وإسرائيل.. تشابه لافت في صناعة الفوضى
في المشهد الدولي، لا يوازي الجزائر في عدد الأزمات ضد الجيران سوى إسرائيل. الأخيرة تورطت في نزاعات مفتوحة مع الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة ومع لبنان وإيران وسوريا وقطر والعراق. أما روسيا، ورغم كثرة خصوماتها مع جيرانها منذ غزو أوكرانيا، فمعظمها مرتبط بجبهة واحدة لا بأزمات متفرقة.
هكذا، تبدو الجزائر وإسرائيل كاستثناءين بارزين، يكتبان فصلاً خاصاً في السياسة الدولية: سجل مليء بالأزمات وتهديد الاستقرار ضد الجيران. خطاب يرفع شعارات تؤكد احترام القانون الدولي وواقع يحكي قصة مغايرة تماماً.