هبة بريس – محمد زريوح
أثار قرار تجميد إحداث شعبة علوم الإعلام والاتصال بكلية اللغات والآداب والفنون بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، الذي صادق عليه مجلس الجامعة في يناير الماضي، جدلاً واسعاً داخل الأوساط الجامعية والإعلامية، وفتح نقاشاً حيوياً حول أسباب تعليق المشاريع الأكاديمية وأثره على الطلبة والمشهد الإعلامي الوطني.
القرار، الذي جاء بعد أشهر قليلة من المصادقة عليه بموجب القرار رقم 59/25 بتاريخ 23 يناير 2025، ترك فراغاً في الخريطة البيداغوجية للموسم الجامعي 2025–2026، وأثار استغراب الطلبة والأساتذة، خاصة بعد صدور المذكرة الوزارية رقم 25/158 بتاريخ 29 يوليوز 2025 دون أي توضيح رسمي لأسباب التجميد.
النائب البرلماني مصطفى ابراهيمي تدخل بدوره، موجهاً سؤالاً كتابياً إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار تحت إشراف رئيس مجلس النواب، طالب فيه بالكشف عن الأسباب الحقيقية التي حالت دون تفعيل القرار، وعن الإجراءات المزمع اتخاذها لإعادة إدراج الشعبة ضمن الخريطة البيداغوجية المقبلة. وأكد البرلماني في نص السؤال أن إحداث هذه الشعبة كان من شأنه تعزيز التكوين الأكاديمي في مجال الإعلام والاتصال، وتمكين الطلبة من ولوج مسارات مهنية حديثة تتماشى مع التحولات الرقمية والدبلوماسية الثقافية والإعلامية التي يشهدها المغرب والعالم.
وأكد عدد من الأساتذة المتخصصين في الإعلام والاتصال أن القرار يشكل “إحباطاً للخطط الأكاديمية ويضر بمستقبل الطلبة”. وقالت الدكتورة فاطمة الزهراء الريفي، أستاذة الإعلام والاتصال: “كان من المفترض أن تتيح هذه الشعبة للطلبة الفرصة لاكتساب مهارات متقدمة في الصحافة الرقمية وإدارة المحتوى الإعلامي، لكن التجميد المفاجئ يعطل هذه الطموحات ويتركهم في حالة من عدم اليقين.” وأضاف الأستاذ مروان الداودي: “الأمر لا يتعلق فقط بالأبعاد الأكاديمية، بل يمتد ليشمل الاقتصاد المحلي؛ فالخريجون المتخصصون في الإعلام والاتصال يشكلون قوة اقتصادية من خلال دعم المؤسسات الإعلامية والمقاولات الناشئة، ويعتبرون رافعة حقيقية لسوق الشغل الرقمي.”
من جانبهم، عدد من الطلبة عبروا عن استيائهم الشديد من القرار، معتبرين أنه “يقلل من فرصهم في متابعة مسارات أكاديمية متطورة”، فيما قالت الطالبة ليلى الصديقي: “كنا نتطلع إلى ولوج شعبة الإعلام والاتصال، لكن الإعلان عن تجميدها جاء مفاجئاً وأثر بشكل مباشر على خططنا الدراسية والمهنية.” وأضاف الطالب يوسف بنجلون: “الشعبة تمثل فرصة لإعداد كفاءات قادرة على التعامل مع الإعلام الرقمي والتقنيات الحديثة، وتعطي الشباب الأدوات اللازمة لمنافسة سوق العمل الدولي.”
وعلى الصعيد السياسي، يرى محللون أن القرار يعكس تحديات الإدارة الجامعية وسياسات التعليم العالي في المغرب، خاصة فيما يتعلق بتفعيل المشاريع الجديدة في ظل اعتمادها على ميزانيات محدودة وإجراءات بيروقراطية مطولة. وقال الأستاذ محمد بنسعيد، أستاذ العلوم السياسية: “تجميد شعبة إعلامية بهذا الحجم يعكس صعوبة التنسيق بين مختلف المصالح الجامعية والوزارية، ويطرح تساؤلات حول استراتيجية الحكومة في دعم التكوينات الحديثة الضرورية لمواكبة التحولات الرقمية العالمية.”
كما أشارت تقارير خبراء الاقتصاد والتعليم إلى أن مثل هذه التخصصات يمكن أن تكون رافعة قوية للاقتصاد الرقمي المحلي، من خلال تخريج خريجين قادرين على إدارة وسائل الإعلام الرقمية، تطوير المحتوى الإعلامي، ودعم الشركات الناشئة في قطاع الإعلام والاتصال. وأوضح الأستاذ كمال شرايبي، خبير في الاقتصاد الرقمي: “تجميد هذه الشعبة يحد من فرص خلق وظائف جديدة ويدفع بعض الطلبة للبحث عن تكوينات بديلة خارج المغرب، ما يعني فقدان استثمار كبير على المستوى الاقتصادي والثقافي.”
البرلماني مصطفى ابراهيمي شدد على ضرورة تدخل الوزارة للرد على تساؤلات الطلبة والأساتذة، وتوضيح المعايير التي اعتمدت في اتخاذ القرار، مشدداً على أن الإعلام والاتصال يمثلان أدوات استراتيجية لتعزيز الحضور الثقافي للمغرب داخلياً ودولياً، وتخريج كفاءات قادرة على مواكبة التحولات الرقمية والإعلامية الحديثة. كما طالب بإعادة إدراج الشعبة ضمن الخريطة البيداغوجية المقبلة لضمان حقوق الطلبة ومواصلة تطوير التكوين الجامعي في هذا المجال الحيوي.
ويُنتظر أن يثير هذا الموضوع نقاشاً واسعاً داخل البرلمان، في وقت يزداد فيه الاهتمام الوطني والدولي بتطوير التكوين في مجالات الإعلام والتواصل، باعتبارها رافعة أساسية لتعزيز الحضور الثقافي والإبداعي للمغرب، ودعم استراتيجي للقطاع الرقمي والإعلامي. كما يسلط هذا الملف الضوء على ضرورة وجود خطة واضحة للجامعات المغربية لضمان استمرارية المشاريع الأكاديمية وتسهيل الإجراءات، مع مراعاة حاجيات الطلبة، ودعم التنمية الاقتصادية من خلال كفاءات وطنية مؤهلة.
ويأتي هذا القرار في وقت تشهد فيه الجامعات المغربية تحولاً سريعاً في التكوينات الرقمية والإعلامية، حيث أصبح إعداد خريجين قادرين على مواكبة التحولات الإعلامية والتكنولوجية ضرورة استراتيجية لدعم الاقتصاد الرقمي وتعزيز القدرة التنافسية للمغرب على المستوى الإقليمي والدولي. ويؤكد مراقبون أن إعادة النظر في قرار التجميد واستئناف تنفيذ الشعبة سيعزز مكانة الجامعة في مجال الإعلام والاتصال، ويسهم في تلبية تطلعات الطلبة والأساتذة والمجتمع المدني والقطاع الاقتصادي.
وفي ظل هذا الجدل، يظل السؤال مطروحاً حول مدى فعالية التنسيق بين الجامعات والوزارة الوصية، وأهمية الشفافية في اتخاذ القرارات التي تمس مستقبل الطلبة، لضمان عدم تعطيل مشاريع أكاديمية مهمة تعكس أولويات التنمية البشرية والرقمية في المغرب. كما يعيد الملف فتح النقاش حول دور البرلمان في مراقبة قرارات التعليم العالي، وضرورة حماية حقوق الطلبة وتأمين المسارات الأكاديمية التي تتوافق مع التحولات الرقمية والاقتصادية المعاصرة.