أكادير وإنزكان على أعتاب ثورة صحية جديدة

حجم الخط:

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في السنوات الأخيرة، تحوّلت جهة سوس ماسة، وعلى وجه الخصوص عمالتا أكادير وإنزكان آيت ملول، إلى بؤرة لاحتجاجات اجتماعية متكررة، محورها الأساسي قطاع الصحة العمومي، الذي بات يعاني من اختلالات بنيوية عميقة، ألقت بظلالها على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.

فمن المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير، الذي ظل يستقبل أعدادًا تفوق طاقته الاستيعابية، إلى المراكز الصحية في الأحياء الشعبية التي تئن تحت وطأة الاكتظاظ والخصاص في التجهيزات والموارد البشرية، تتعدد مظاهر الأزمة، وتتعمق الهوة بين تطلعات الساكنة وواقع الخدمات.

غير أن مؤشرات التحول بدأت تظهر، حيث أطلقت الدولة، في إطار رؤية إصلاحية جديدة، مجموعة من المشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى إعادة بناء المنظومة الصحية بالجهة على أسس أكثر عدالة وفعالية. في مقدمة هذه الأوراش الكبرى يبرز مشروع المركز الاستشفائي الجامعي بأكادير، الذي يُعدّ من بين أضخم الاستثمارات الصحية في الجنوب المغربي، برؤية لا تقتصر على تقديم العلاج فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى تكوين الأطر الصحية وتوزيع الكفاءات بشكل منصف بين الجهات. المشروع، الذي يمتد على مساحة 30 هكتارًا ويضم 864 سريرًا، ومرافق طبية متطورة، من المنتظر أن يلعب دورًا محوريًا في تخفيف الضغط على مستشفيات الجهة، والارتقاء بجودة الخدمات، خصوصًا مع شروع وزارة الصحة في توظيف مئات الأطر الطبية والتقنية لتأمين انطلاقته الفعلية قبل نهاية سنة 2024.

في المقابل، لا تقف مجهودات الإصلاح عند حدود أكادير، بل تمتد إلى إنزكان آيت ملول، حيث انخرطت السلطات المحلية والجهوية في تنفيذ برنامج تأهيلي طموح شمل تعزيز البنيات التحتية، بناء مستشفيات ومراكز صحية جديدة، واقتناء سيارات إسعاف حديثة، في محاولة لسد الخصاص القائم وتحقيق نوع من العدالة الصحية داخل الإقليم، الذي يشهد نموًا ديمغرافيًا متسارعًا وكثافة سكانية مرتفعة. وقد خلفت مصادقة مجلس جهة سوس ماسة على تمويل بناء مستشفى جديد بآيت ملول ارتياحًا واسعًا في أوساط الساكنة، التي ظلت تطالب منذ سنوات بتحسين العرض الصحي، ورفع الضغط عن المستشفى الإقليمي بإنزكان، الذي يعمل في ظروف صعبة تفوق طاقته.

ورغم الأهمية الكبيرة لهذه المشاريع على مستوى البنيات والتجهيزات، إلا أن العديد من المهنيين والمتابعين يُجمعون على أن التحدي الأكبر لا يزال مرتبطًا بتوفير العنصر البشري المؤهل، القادر على تفعيل هذه المنشآت وضمان استمرارها بكفاءة. فالنقص في الأطر الطبية وشبه الطبية، واستمرار بعض مظاهر سوء التدبير، تبقى عوائق حقيقية أمام تجويد الخدمات الصحية، كما أن غياب التكوين المستمر، وصعوبة استقرار الأطر في بعض المناطق، يطرحان تساؤلات جوهرية حول قدرة النظام الصحي على التكيف مع التحولات الجديدة.

إن ما تعرفه أكادير وإنزكان آيت ملول حاليًا ليس مجرد تحسينات سطحية، بل بداية فعلية لمرحلة جديدة تسعى إلى القطع مع واقع صحي هش، وبناء منظومة أكثر إنصافًا وفعالية. غير أن نجاح هذا التحول يظل رهينًا بإرساء أسس حكامة جيدة، واستثمار دائم في الرأسمال البشري، وإشراك المواطن في مراقبة جودة الخدمات والمطالبة بحقوقه الصحية. فالثقة المفقودة لا تُستعاد بالمباني والتجهيزات وحدها، بل تحتاج إلى رؤية شاملة تؤمن بأن الحق في الصحة هو حجر الزاوية في أي نموذج تنموي عادل وشامل.