الزعامة الرابعة.. عندما تزوج الحزب من “لشكر” زواجا كاثوليكيا

حجم الخط:

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

بين مؤيد يرى فيه رجل المرحلة، ومعارض يعتبره عنواناً للاستمرارية الراكدة، عاد إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى المشهد السياسي من أوسع أبوابه الحزبية، متوجا بولاية رابعة على رأس الحزب العتيد.

وقد شهد المؤتمر الوطني الثاني عشر، الذي انتهت أشغاله بوزنيقة نهاية الأسبوع الجاري، وسط حضور لافت وبتغطية إعلامية واسعة، عودة لشكر إلى مقعد القيادة دون منازع حقيقي، ما اعتبره البعض تتويجاً طبيعياً لتجربة قيادية متواصلة، واعتبره آخرون “ضربة موجعة لما تبقى من تقاليد التداول الديمقراطي داخل الحزب”.

في المقابل، لم يترك عدد من المعارضين – من مناضلين سابقين، وفاعلين يساريين، ومثقفين انتقاديين – المناسبة تمر دون تعليق. فقد عجّت منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً “الفيسبوك”، بتدوينات تهكمية تعبّر عن الاستياء مما وصفوه بـ”التكريس الأبدي للقيادة”، متهمين الرجل بـ”احتجاز الحزب في جيب سترته السياسية”.

في هذا المقال، نستعرض أبرز ما راج من سخرية سياسية مضمرة، بلغة رمزية ساخرة تخلو من العبارات القدحية، لكنها تقول الكثير بين السطور.

– في حضرتك يا “كاتب أول”..

في زنقة العرعار، حيث السياسة تشرب الشاي بثلاث نعناعات ولا تسأل عن السكر، اجتمع “المريدون” مرة أخرى ليرددوا بصوت واحد: نعم للولاية الرابعة!. نعم، نفس الكلمة التي تقولها الحناجر عند القسم، ولكن هذه المرة كانت تقال بنفس راضٍ أو مستسلم، لا فرق.

هكذا، ومن دون أن يهتز له رمش، جلس إدريس لشكر على كرسيه الوثير في مقر الحزب، وكأنه يربّت على كتف التاريخ ويهمس له: “دع عنك التغيير، فقد عوّدتهم عليّ.” وبينما كان المناضلون الحقيقيون (أو ما تبقى منهم) يراقبون المشهد عبر الفضاء الأزرق، انفجرت تدوينات، لم تكن كلها تهنئة – بل كانت أقرب إلى مواويل مريرة، تعزف على مقام “كيفاش وصلنا لهنا؟”

لقد فعلها لشكر. للمرة الرابعة، لا الثالثة، ولا حتى “واحدة للذكرى”، بل الرابعة… عدد الزوجات المسموح به شرعاً، وعدد أرجل الطاولة التي تَجلس عليها الديمقراطية المغربية دون أن تتوازن.

– “تنويم سياسي مغناطيسي”… أم ولاء مستحق؟

كتب أحد النشطاء: “تعالوا نقرأ اللوح من قفاه، من جهته الأخرى لتكتمل الصورة… كيف استطاع رجل كإدريس لشكر تنويم كميوات ديال المناضلين والمناضلات؟ وأي أحجبة سوسية استعملها؟”.

عبارة لا تخلو من عبث، لكنها تعبّر عن سؤال مشروع: هل كان الأمر نتيجة دهاء سياسي؟ أم نتيجة فراغ في البدائل؟ أم لعنة تنظيمية عمرها أطول من عمر الحزب نفسه؟.

بعيدًا عن نظرية المؤامرة الجاهزة كالبطيخ في الصيف، يرى المنتقدون أن ما وقع لم يكن مفاجئًا بقدر ما كان “متوقعًا على نحو مؤلم”.

– الواقعية السياسية في ثوب السيرك

في ذات اليوم الذي عقد فيه مؤتمر الحزب، كانت طنجة تحتضن مهرجان الفيلم الوطني في دورته الـ25. المفارقة؟ الفيلم المُحتفى به كان عن سائق شاحنة تائه في الطرقات.

سائق تائه هناك، وحزب تائه هنا… والربط بين المشهدين لم يكن مصادفة قدر ما كان إلهاماً تهكمياً جاهزاً.

كتب أحدهم: “تخيلوا المشهد: حزب سياسي يغرق في التيه، بينما المتكرش الذي صار بلا رقبة يتربع على عرش المقر… أربع مرات متعرعرات!”.

لغة تحاكي الأدب الساخر، وتستدعي شاعر الغضب مظفر النواب، لكنها في الحقيقة تقف عند حدود التوصيف دون سب أو شتيمة.

– من “الرقم 12” إلى الرقم الحقيقي: أربعة!

أما شعار المؤتمر، الذي اختار الرقم 12 بحرف بارز، فلم يمر دون تعليق.فقد كتب آخر:  “12؟ أي 12؟ كان أولى أن يكتبوا الرقم 4 بخط عريض… فهذه هي الحقيقة التي لا ينكرها حتى صاحب الكرسي نفسه”.

ومن وراء هذا “الرقم الغليظ”، لم ينجُ حتى الشعار الرسمي من السخرية. إذ رأى البعض أن عبارة “مغرب صاعد اقتصادياً، اجتماعياً، مؤسساتياً”، ليست سوى وصف ساخر لصعود بلا وجهة… كمن يقفز من قمة جبل ويعتبر نفسه في صعود حرّ.

– صفقة… لا صفيق

في النهاية، وبينما صفّق البعض، وقف آخرون يتأملون المشهد كما لو أنه عرض قديم يُعاد بثه كل خمس سنوات. ومع ذلك، لا أحد يستطيع أن ينكر أن إدريس لشكر مهما اختلفت معه رجل يعرف كيف يدير معركته حتى آخر رصاصة تنظيمية.

وكتب أحد المعلقين في مرارة: “ادريس لشكر… شرّ لا بد منه”.
هي جملة تلخّص كل ما يُقال في السياسة عندما يعجز الناس عن إحداث التغيير، ويكتفون بوصف ما يجري كأنه قدر لا مفر منه.

– هل هي نهاية فصل أم بداية ولاية أبدية؟ هذا السؤال وحده من يحق له أن يُطرح الآن. أما الجواب، فقد تركه التاريخ مؤجلاً إلى إشعار غير مسمى.