هبة بريس- مكتب فاس
أعطت مدينة فاس، مساء يوم أمس الثلاثاء 30 شتنبر الجاري، درساً حضارياً في كيفية التعبير عن المطالب الاجتماعية بأسلوب سلمي ومسؤول، بعدما خرج عدد من الشباب المنتمين إلى ما يُعرف بـ”جيل Z” للاحتجاج والمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، في مشهد يعكس وعياً مجتمعياً متنامياً ورغبة حقيقية في التغيير الإيجابي.
ورفع المحتجون شعارات ركّزت على قضايا حيوية تهم التعليم، الصحة وفرص الشغل، دون تسجيل أي تجاوزات أو أعمال عنف، ما أضفى على التظاهرة طابعاً سلمياً راقياً يؤكد نضج الجيل الجديد وقدرته على التعبير بطرق حضارية عن تطلعاته.
في المقابل، تعاملت الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية بمدينة فاس بمهنية عالية وهدوء مسؤول، حيث تم تأمين مسار الاحتجاج بشكل منظم، واحترام الحق الدستوري في التظاهر السلمي، دون أي احتكاك أو تصعيد، مما يعكس تطور المقاربة الأمنية بالمغرب نحو نهج يقوم على الحكمة والإنصات بدل المواجهة.
هذا التفاعل المتوازن بين الشباب والسلطات أعطى صورة إيجابية عن فاس، وأبرز قدرة المدينة على أن تكون نموذجاً للتعايش بين التعبير الحر وحفظ النظام العام، كما رسخ ثقافة الحوار كقيمة أساسية في تدبير الشأن العام.
ويرى متتبعون أن نجاح هذه التجربة يؤكد أن المغرب يسير نحو ترسيخ دولة الإنصات والتفاعل، وأن إشراك الشباب في النقاش العمومي يظل مفتاحاً أساسياً لبناء الثقة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، في مرحلة تتطلب انفتاحاً أكبر على طموحات الجيل الجديد.
لقد أظهرت فاس، مرة أخرى، أنها مدينة قادرة على تقديم صورة مشرقة عن المغرب، حيث التقت الحكمة الأمنية مع نضج الشباب لتقديم مشهد حضاري يعكس ملامح مغرب المستقبل مغرب الإصغاء، الحوار، والمسؤولية المشتركة.
ورغم الطابع السلمي الذي ميز هذه الوقفة، إلا أن الرسائل التي حملها المحتجون كانت قوية، إذ عبّر العديد من الشباب عن استيائهم من غياب تفاعل المنتخبين مع مطالبهم، مؤكدين أن هؤلاء لا يتذكرونهم إلا في فترات الانتخابات، حين تُغدق الوعود التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ.
وفي خضم هذه التحركات، يوجه المواطنون سهام النقد إلى عدد من المنتخبين المحليين بفاس، متهمين إياهم بالانشغال بالمصالح الشخصية والصراعات الداخلية بدل الانكباب على قضايا الساكنة وهمومهم.
ويقول البعض إن بعض الأحزاب باتت تكتفي بعقد الولائم والتجمعات لإظهار القوة، في حين تزداد الفجوة بينها وبين المواطنين .