هبة بريس – عبد اللطيف بركة
في مدينة شفشاون الهادئة، حيث تنساب الحكايات كما تنساب الجبال في الضباب، نشبت عاصفة من نوع آخر، لم تكن من سحابٍ ولا من ريح… بل من تطبيق صغير في هاتف ذكي، اسمه Truecaller.
ذات يوم، وببساطة خادعة، طلب شاب من صديقه أن يُعيره هاتفه لإجراء اتصال عاجل بشقيقته التي لا تجيب على مكالماته عبر تطبيق واتساب. صديقه، الذي لم يتردد، سلّمه الهاتف بثقة، غير مدرك لما تخبئه شاشته الصغيرة من مفاجآت ثقيلة.
ما إن فتح المتهم الهاتف وبحث عن رقم شقيقته، حتى قفز إليه الاسم المسجّل على Truecaller… لم يكن “أخت فلان”، ولا حتى اسمها الحقيقي، بل “MY LOVE” — “حبيبتي”.
لحظة واحدة فقط كانت كفيلة بانقلاب العالم أمام عينيه. الدم يغلي، العروق تتوتر، والخيال الجامح يبدأ في رسم مشاهد من الخيانة والغدر. لم يُمهل المتهم صديقه ليفسر، لم يسأل ولم يستوضح. في ثورة عاطفية عمياء، انهال عليه بالضرب، ولم يتوقف إلا حين سقط الصديق أرضًا، وذراعه مكسورة، كما كُسرت الثقة بينهما.
الضحية، الذي لم يكن يتوقع هذه النهاية المأساوية لنيّة طيبة، تقدم بشكاية رسمية أمام السلطات. النيابة العامة تابعت المتهم في حالة اعتقال، والمحكمة الابتدائية بشفشاون نطقت بحكمها: خمسة أشهر حبسًا نافذًا، كعقوبة على العنف الذي تجاوز كل منطق.
لكن، في مشهد أخير مفاجئ، وكما بدأت القصة بين صديقين، يبدو أنها ستنتهي بلمحة من الصفح. فقد بلغ أن الضحية تنازل عن شكايته أمام محكمة الاستئناف، لعل في ذلك بادرة أمل بإعادة بناء جسر الصداقة الذي هدمه سوء الفهم… وتطبيق لا يرحم.
ففي زمن التكنولوجيا، لا يكفي أن نثق بمن حولنا… بل يجب أن نحسن الظن أيضًا بما يظهر على الشاشات.