هبة بريس – عبد اللطيف بركة
في خطابٍ سامٍ بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، رسم جلالة الملك محمد السادس معالم رؤية استراتيجية واضحة المعالم لمستقبل التنمية في المغرب، مؤكداً أن المرحلة الراهنة تقتضي من مختلف الفاعلين، لا سيما المؤسسة التشريعية، التحلي بروح الجدية والمسؤولية، وتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات السياسوية الضيقة.
– الجدية السياسية كمطلب وطني
لم يكن حديث جلالة الملك عن “الجدية” عابراً أو موجهاً للمؤسسة التشريعية فحسب، بل جاء كمبدأ شامل يعكس الحاجة الملحة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، من خلال أداء سياسي ومؤسساتي يعكس نضج التجربة الديمقراطية المغربية، ويكرس خدمة المواطن كأولوية قصوى. فالملك، في خطابه، لم يوجه نقداً بقدر ما وضع خارطة طريق تتطلب التزاماً عملياً، مفاده أن العمل السياسي ليس مجالاً للتنافس العقيم، بل فضاء للتكامل من أجل تحقيق التنمية.
– التنمية من أجل المواطن، لا من أجل المفاخرة
الرسالة الملكية كانت واضحة: ليست المشاريع التنموية غاية في ذاتها، بل وسيلة لخدمة المواطن وتحسين ظروف عيشه. وقد نبه جلالته إلى خطورة تحويل هذه المشاريع إلى ساحة تنافس غير منتج بين الفاعلين، محذراً من إفراغ العمل التنموي من محتواه المجتمعي. فالتنمية، كما أبرزها الخطاب الملكي، لا تُقاس فقط بعدد المشاريع، بل بمدى تأثيرها الإيجابي والمباشر على المواطن، خصوصاً في المناطق الهشة والمهمشة.
– مسؤولية جماعية في تأطير المواطن
ومن أبرز ما تضمنه الخطاب، التأكيد على أن تأطير المواطنين وتعريفهم بحقوقهم ومبادرات الدولة ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل هو واجب جماعي تشترك فيه الأحزاب السياسية، والإعلام، والمنتخبون، والمجتمع المدني. هذه الدعوة تشكل في جوهرها تصحيحاً لمسار التفاعل العمومي، بحيث لا يظل المواطن متفرجاً أو ضحية لضعف التواصل، بل شريكاً فاعلاً في رسم السياسات وتقييم أدائها.
– نحو مغرب صاعد ومتضامن
أكد جلالة الملك أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانته كدولة صاعدة، مشدداً على ضرورة تسريع وتيرة التنمية وإطلاق جيل جديد من المشاريع الترابية التي تضمن العدالة المجالية والاجتماعية. هذه الرؤية تعكس وعياً عميقاً بأن استمرار الفوارق بين الجهات والمناطق يُقوض كل جهود التنمية ويقود إلى فقدان الثقة في مؤسسات الدولة.
– التنمية المجالية: خيار استراتيجي لا شعار عابر
إحدى أهم الرسائل التي حملها الخطاب، هي أن محاربة الفوارق المجالية ليست مجرد أولوية مؤقتة أو استجابة ظرفية، بل خيار استراتيجي يستوجب انخراطاً كاملاً من جميع الفاعلين. لذلك، دعا جلالته إلى تسريع تنفيذ البرامج التنموية، مع إعطاء الأولوية لخلق فرص الشغل، والارتقاء بالخدمات الأساسية، وعلى رأسها الصحة والتعليم، مع إيلاء عناية خاصة للمناطق الجبلية والواحات والسواحل.
– من الخطاب إلى التنفيذ
يبقى الرهان الأكبر اليوم هو الانتقال من منطق الخطابات إلى منطق الإنجاز. فالخطاب الملكي، بما حمله من رسائل دقيقة وتوجيهات واضحة، يمثل عقداً أخلاقياً وسياسياً بين الدولة ومواطنيها، يتطلب تفعيل آليات المتابعة والمحاسبة، وتحقيق تكامل فعلي بين مختلف المؤسسات لضمان عدالة التنمية وشموليتها.