هبة بريس
تتفاقم خيبة الأمل في الشارع الجزائري مع اقتراب دخول قانون المالية لسنة 2026 حيّز التنفيذ، بعدما تبين أن النظام العسكري الحاكم قرّر مجدداً توجيه القسم الأكبر من ميزانية الدولة نحو قطاع الدفاع، على حساب القطاعات الاجتماعية والاقتصادية الحيوية.
إنفاق ملايير الدولارات على التسلح
وتعكس هذه الخطوة أولوية العسكر في إنفاق ملايير الدولارات على التسلح بدل مواجهة الانهيار المتسارع للقدرة الشرائية، الذي أنهك ملايين الجزائريين بفعل التضخم وتهاوي قيمة الدينار المحلي.
فالعائلات الجزائرية ذات الدخل المحدود – وهي الغالبية الساحقة من السكان – تجد نفسها اليوم عاجزة عن تغطية احتياجاتها الأساسية، في ظل موجة غلاء خانقة طالت أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.
ولم يعد تدهور القدرة الشرائية مجرد رقم في التقارير الرسمية، بل تحوّل إلى مأساة يومية تُعرّي فشل النظام في إدارة الشأن الاقتصادي والاجتماعي.
وباتت ظواهر الاستدانة، والاعتماد على القروض الصغيرة، وحتى الهجرة بحثاً عن لقمة العيش، من المظاهر المألوفة في الجزائر.
ويرى خبراء أن السبب الجوهري لهذه الأزمة المزمنة هو ارتهان الاقتصاد الوطني بالكامل لعائدات النفط والغاز، التي تمثل نحو 97 في المائة من الدخل القومي، في غياب أي سياسة حقيقية لتنويع مصادر الإنتاج أو تشجيع القطاعات غير البترولية.
مخاطر مالية تنتظر الجزائر
وعلى الرغم من الشعارات الرسمية المتكررة حول “الإصلاح” و”التنويع الاقتصادي”، فإن الواقع يؤكد أن الجزائر لا تزال سجينة نموذج ريعي هشّ، يعرّضها لمخاطر مالية جسيمة مع كل تراجع في أسعار الطاقة.
وفي المقابل، تشير تقارير المقارنة الإقليمية إلى أن سلّم الأجور في الجزائر هو من الأضعف عربياً، إذ لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري 300 دولار فقط، وهو رقم يضعها في نفس خانة سوريا ومصر، مقابل معدلات تفوق 2000 دولار في دول عربية أخرى.
هذا الفارق الشاسع يعكس الانهيار العميق في القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، وسط تجاهل رسمي لمراجعة الأجور رغم التغيرات الاقتصادية المتسارعة.
تدهور الدينار الجزائري
ويؤكد المراقبون أن الأرقام الرسمية حول التضخم “تجمّل الواقع” ولا تعبّر عن حقيقة الوضع، لأنها تعتمد على سلة ضيقة من المواد المدعّمة، فيما تظهر الدراسات المستقلة أن الأسعار الحقيقية لعشرات السلع والخدمات ارتفعت بنسب تتجاوز بكثير المعدلات المعلنة من الحكومة.
كما يتواصل تدهور الدينار الجزائري أمام العملات الأجنبية، خصوصاً اليورو والدولار، ما يزيد من ارتفاع كلفة المعيشة ويضعف القدرة الشرائية يوماً بعد آخر.
وفي ظل هذه الظروف، يعيش الجزائريون على وقع قلق اجتماعي متزايد، حيث لم تعد الأزمة تقتصر على الفئات الفقيرة، بل امتدت إلى الطبقة المتوسطة التي بدأت تفقد مكانتها تدريجياً.
ومع ذلك، يواصل النظام العسكري التمسك بسياساته المالية القديمة، إذ جاء مشروع قانون المالية الجديد امتداداً لمسار إنفاقي جامد، يركّز على تحصيل الضرائب والاقتطاعات من الأجور كمصدر أساسي لخزينة الدولة، دون أي رؤية حقيقية لإنعاش الاقتصاد أو تحسين معيشة المواطنين.